قال الشيخ أحمد مكي من علماء وزارة الأوقاف، وخطيب الجمعة بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، إن الله دبر كونه بقانون محكم وناموس منظم، سبحان من قهر الورى ولحكمه عنت الوجوه.
سنن الله الكونية في القرآن
وتابع خطيب الجمعة خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شوال 1444،تحت عنوان "سنن الله الكونية في القرآن"، إن لله تعالى في كونه وخلقه سننا لا تتخلف وقانونا من عرفها فقد أفلح ومن لم يعرفها فقد انحرف، موضحا أن هذه السنن تتسم بالعموم والشمول ولا تتخلف أبدا فهي مطردة على مر العصور والدهور، فسنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
وبين خطيب الجمعة بمسجد الإمام الحسين أن من سنن الله الكونية الشاملة والعامة التي أن الجزاء من جنس العمل، يقول الله جل وعلا:" لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا "، مشددا أن من سنن الله الكونية أن كل إنسان يجازى بما عمله يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».
وفي حديث الجمعة، تحت عنوان السنن الكونية، قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن من سنن الله الكونية إجراء المسببات على الأسباب، فمع يقيننا أن الأسباب لا تؤدي إلى المسببات بذاتها إنما بإعمال الله (عز وجل) لها، وإجرائه سبحانه للمسببات على أسبابها.
وتابع: فإن من سننه سبحانه وتعالى الكونية: أن من يجتهد ينجح، ومن يزرع يحصد، وأن الله (عز وجل) ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، وأن من يأخذ بأسباب العلم ويجتهد فيها ويتقن عمله تتحقق له النتائج أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، حيث جاء قول الحق سبحانه وتعالى: "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" (الكهف: 30) عامًّا مطلقًا في كل من أحسن في أمر دينه أو أمر دنياه.
وأضاف: ديننا دين العمل والإتقان والأخذ بالأسباب، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (الملك: 15)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ اللهَ يحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكم عملًا أنْ يُتقِنَه" (رواه الطبراني)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه" (رواه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ" (رواه البخاري)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لَوْ توكلْتُمْ على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِه لَرَزَقَكُمْ كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِماصًا وتَرُوحُ بِطَانًا" (رواه الترمذي) ، فالطير لا تمكث في أعشاشها وتطلب الرزق، بل تسعى تغدو وتروح باحثة عن رزقها.
ومن سنن الله الكونية أن الشكر يصون النعم، وأن كفران النعم سبيل زوالها، حيث يقول الحق سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (الرعد: 7)، ويقول سبحانه في قصة أصحاب الجنة في سورة القلم: "إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ" (القلم: 17-19)، فحين بيت أصحاب الجنة النية على منع حق الفقراء والمساكين كانت العقوبة بزوال نعمتهم، والإنذار بالعقوبة لكل من سار على دربهم، حيث يقول سبحانه: "كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (القلم: 33).
ويقول سبحانه في قصة أهل سبأ: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ" (سبأ: 15-17)، ويقول سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (النحل: 112).
ومن سنن الله الكونية سنة التمكين لمن يتقي الله (عز وجل) ويأخذ بالأسباب، حيث يقول الحق سبحانه: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55)، ويقول سبحانه: "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات: 171-173)، ويقول سبحانه: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69).
وجميع النصوص الواردة في هذا الشأن تجمع بين الإيمان والعمل، فالمؤمن مأمور بالإعداد والأخذ بالأسباب، حيث يقول سبحانه: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (الأنفال:60).