حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة غدا الجمعة ، لتكون تحت عنوان: "سنن الله الكونية في القرآن الكريم".
وطالبت الأوقاف جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وأن يكون أداء الخطبتين معًا الأولى والثانية ما بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة كحد أقصى للخطبتين معًا.
وجاء نص موضوع خطبة الجمعة كمايلي
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
فإن الله (سبحانه وتعالى) أقام الكون على سنن وقوانين ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل، والمتأمل في القرآن الكريم يجده حافلًا بالحديث عن سنن الله الكونية وقوانينه الأزلية التي تضبط حركة المخلوقات في تكامل وانسجام، دون خلل أو اضطراب، حيث يقول الحق سبحانه: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}.
وتتميز سنن الله الكونية بالعموم والشمول؛ فهي تنطبق على الجميع، دون تمييز أو استثناء، فقد جعل الحق سبحانه الجزاءَ من جنس العمل، حيث يقول سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، ويقول سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَن نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ).
ومن سنن الله الكونية سنة التداول في الغنى والفقر، فلا الفقر يدوم ولا الغنى، فغنيُّ اليوم قد يكون فقير الغد، وفقير اليوم قد يكون غنيَّ الغد، حيث يقول سبحانه: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وعلى الغني أن يشكر، وعلى الفقير أن يعمل ويكد ويجتهد ويعرق ويتعب ليغيِّر واقعه وحاله، وحال المؤمن في كلا الأمرين على ثبات، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ- وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ- إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
ومن هذه السنن: الامتحان والابتلاء والاختيار والاصطفاء، حيث يقول سبحانه في الحديث عن سنة الابتلاء: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، ويقول سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، ويقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
أما الاصطفاء فالله (سبحانه وتعالى) أعلم بمن يصطفي ولِمَ يصطفي ومتى يصطفي، حيث يقول الحق سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، ويقول (عز وجل): {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، ويقول تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، ويقول (عز وجل): {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{، ويقول في قصة سيدنا موسى (عليه السلام) متحدثًا عن رحلته مع فتاه للقاء العبد الصالح: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.
فلا تحارب أحدًا في شيء مَنَّ اللهُ به عليه، فلن توقفه، ولن يوقفك أحد عن أمر أراده الله لك، ولن يحول أحد بينك وبين خير أراد الله أن يسوقه إليك، حيث يقول سبحانه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ).
ومن سنن الله تعالى الكونية إجراء المسببات على الأسباب، بغض النظر عن الدين والجنس واللون والعرق، فمن يزرع يحصد، ومن يجتهد ينجح، حيث يقول الحق سبحانه: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومن سنن الله الكونية أن من اتَّبَع هدى الله وسار في طريق رضاه أكرمه سبحانه بطيب العيش في الدنيا، وبالجنة في الآخرة، كما اقتضت سنة الله تعالى في المعرض عن هداه عقابه بالمعيشة الضنك في الدنيا، والعذاب في الآخرة، حيث يقول الحق سبحانه: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ويقول سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، ويقول تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.