رغم تطور الزمن والمنتجات الصينية التى تنافس بشراسة فى كافة الصناعات، إلا أن حرفة الفركة السودانية، مازالت تقاوم رياح التغيير التى فرضت منتجات جديدة بأشكال و أسعار تنافسية، بإصرار واضح من كبار السن من الرجال والسيدات للحفاظ على حرفتهم التى توارثوها عن آبائهم و أجدادهم بمركز نقادة جنوب محافظة قنا.
ارتبط اسم الفركة بالسودان لفترة من الزمن
ارتباط مسمى "السودانية" بحرفة الفركة، جاء نتيجة طبيعية للإقبال الكبير من أبناء السودان على الفركة التى تصنع فى مصر، وكان ومازال مصدرها الرئيس مركز نقادة والقرى المحيطة به، فيما يطلق عليها البعض "الفركة النقادية " كمسمى طبيعى لحرفة نمت وترعرعت فى مدينة نقادة، ومازالت الحارس الأمين لحرفة توارثها الأبناء عن أجدادهم المصريين القدماء.
الفركة حرفة تراثية عتيقة و فن من فنون النسيج اشتهرت به مدينة نقاده منذ عصر الفراعنة، يصنع منه رداء ترتديه السيدات، خاصة فى الدول الافريقية، التى كانت لها اعتقادات خاصة بالفركة، وصلت لأن يعتبروها أحد الطقوس الرئيسة لمراسم الزواج فى بلادهم، ما حول بيوت نقاده خلال العقود الماضية، إلى مصانع صغيرة، تضم عشرات الأنوال المخصصة لتصنيع منتجات الفركة.
قديماً كان "النول" يزين كل بيوت نقادة
قال حمزه سيد عبدالعال" مدرس بالمعاش" عملت فى صناعة الفركة و أنا فى المرحلة الابتدائية، مثل مئات الأطفال الذين يجيدون صناعة الشال اليدوى، فقد كانت بيوت مركز نقادة والقرى التابعة له وخاصة قرية الخطارة لا تخلوا من النول اليدوى الذى يصنع من خلاله الشال اليدوى أو الفركة السودانى كما كانت تلقب من قبل، فهى حرفة تاريخية عريقة توارثها الأجيال منذ سنوات بعيدة، ومازالت صامدة تواجه كل عوامل الانهيار والإندثار.
و أضاف عبدالعال، طبيعة المصريين التى لا تعرف اليأس أو الاستسلام، بدأت فى الفترة الأخيرة، تستثمر الأوضاع المحيطة فى تطوير هذه الحرفة التراثية، و تطويع الأشكال و المنتجات لتتماشى مع احتياجات السياح الذين يقبلون بإعجاب شديد على المنتجات اليدوية التى يرون فيها عظمة ودقة المصريين فى التصنيع.
و أشار عبدالعال، إلى أن فترة ثمانينيات القرن الماضى وما قبلها والتى شهدت تعامل كبير مع السودان فى منتجات الفركة، كان هناك ما لا يقل عن 6000 حرفى بمركز نقادة بخلاف أسرهم و من يعمل معهم، حيث كان أهالى السودان و افريقيا لهم معتقدات وتقاليد مرتبطة بالفركة و الشال النقادى، ما كان يجعل إقبالهم على شراء هذه المنتجات لا ينقطع، وكانت فى وقتها الفركة ضمن مصادر الدخل القومى لمحافظة قنا.
انتعاش السياحة يعيد الروح لحرفة الفركة
قال حازم حمدى توفيق، مدير مركز الفركة بنقادة، رغم تراجع الطلب محلياً وافريقيا على منتجات الفركة، إلا أن الفرصة متاحة حالياً من خلال السوق السياحى، الذى يهتم بالمنتجات اليدوية، خاصة المرتبطة بالتراث الفرعونى، وهو ما يستدعى فتح مجال أكبر لتطوير حرفة الفركة و تعليم صناعتها بالمدارس الصناعية، وطالبنا من قبل بإنشاء قسم للنسيج اليدوى، أسوة بالأقسام الموجودة فى أخميم وكرداسة، و نأمل أن يتم تنفيذ هذا المقترح للحفاظ على هذه الحرفة العريقة من الاندثار.
وأضاف توفيق، بأن هناك منافسة شرسة تواجهها حرفة الفركة، أمام المنتجات الصينية التى تعتمد فى المقام الأول على رخص أسعارها على حساب الجودة و الإتقان، فهى لا ترقى لجودة منتجات الفركة التى تتميز بخامات وخيوط طبيعية لا تسبب أى أضرار صحية لمرتديها، فضلاً عن تصميمات متنوعة ومبهجة لا تستطيع أى منتجات مصنعة آلياً أن تصل لمستواها.
الفركة كانت ضمن طقوس الزواج بافريقيا
وأشار توفيق، إلى أن الفركة كانت لفترة قريبة ضمن طقوس الزواج فى بعض البلاد الافريقية، والتى لا يمكن أن تكتمل دون وجود قطع متنوعة الأشكال والأحجام من منتجات الفركة، ما جعلها تحظى بالكثير من الألقاب الافريقية، فضلا عن الألقاب التى حظيت بها منذ ظهورها فى عصر المصريين القدماء.
و قالت أم محمد، عملت فى حرفة الفركة منذ ٧ سنوات، أحببتها منذ أن كنت صغيرة لكن الظروف لم تتيح لى العمل بها فى البداية، تعلمتها من خلال مشاهدتى للبنات أثناء العمل على النول اليدوى، ومن وقتها و أنا أعمل فى الفركة من الساعة 7 صباحاً حتى السابعة مساءًا حباً فى الفركة التى تعلقت بها منذ بدأت العمل فيها، فهى تتطلب جهد و وقت كبير دون عائد مجزى، لذلك لا يستمر فى الحرفة إلا من يحبها، وقد يستغرق صناعة الشال الواحد يوم كامل فى بعض الأحيان، وهو ما يجعل الكثير من السيدات يتغنون بمقطوعات غنائية تراثية خلال عملهم بالفركة، لتسلية وقتهم.