رغم الوضع الاقتصادي والتضخم والغلاء والزلزال المدمر نجحت تركيا بالفعل بتجربة متميزة في ترتيب انتخابات رئاسية التي دارتها بشكل صحيح والتي تحظي بين ناخبيها بمنافسة حقيقية.
تركيا تستعد لجولة ثانية
وتبدأ المنافسة من جديد في الانتخابات في تركيا نحو جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في 28 من مايو بعد أن تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأظهرت النتائج شبه الكاملة لأهم انتخابات تشهدها تركيا في حقبة ما بعد السلطنة العثمانية، أن أردوغان الذي يُحكم قبضته على السلطة منذ عام 2003 ولم يهزم في أكثر من 10 انتخابات وطنية، أخفق بفارق طفيف عن تحقيق نسبة الـ 50% المطلوبة زائد صوت واحد.
وقد أفادت وسائل إعلام رسمية بتقدم أردوغان في وقت مبكر، مساء الأحد، إلا أنه أخفق في تحقيق الأغلبية اللازمة لإعلان فوزه في الجولة الأولى وتمديد حكمه البالغ عشرين عاما.
وأعلنت هيئة الانتخابات التركية أن أردوغان حصل على 49.4% مقابل 44.96% لكليتشدار أوغلو.
وكانت نسبة التصويت لصالح أردوغان تراجعت إلى أقل من 50% من الأصوات بعد فرز أكثر من 98% من الأصوات، بحسب وكالة أنباء الأناضول الحكومية.
وللفوز في الانتخابات الرئاسية، يجب أن يحصل أحد المرشحين الرئيسيين على أغلبية 50% من الأصوات زائد واحد، وهو ما لم يتحقق حتى الآن لأي من المرشحين بعد فرز أكثر من 98% من الأصوات.
مرشح المعارضة في انتخابات الرئاسة التركية كمال كليتشدار أوغلو قال إنه سيقبل قرار الشعب بإجراء جولة إعادة، مضيفا أن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يحقق النتائج التي كان يرغبها في الانتخابات.
وذكر أوغلو في تصريحات جنبا إلى جنب مع زعماء أحزاب أخرى في تحالفه أنه سيفوز على أردوغان إذا أجريت جولة إعادة.
وفي انتظار النتائج النهائية، يخوض المتنافسان الرئيسيان، أردوغان وكليتشدار أوغلو، معركة أرقام ويطلب كل منهما من مراقبيهم البقاء في مراكز الفرز "حتى النهاية".
وبدا أردوغان منتصرا عندما ظهر أمام حشد كبير من مؤيديه بُعيد منتصف الليل ليعلن بنفسه جاهزيته لخوض جولة انتخابات رئاسية ثانية.
وقال في كلمة له أمام مناصريه إنه متقدم في الانتخابات بفرق شاسع، واصفا منافسيه بالمخادعين بقولهم إنهم متقدمون في النتائج.
ما بين نزيف وتفتيت أصوات
وفي هذا الصدد، قال الدكتور بشير عبد الفتاح، الكاتب والمفكر السياسي والخبير في الشأن التركي، إن المرشحين الرئاسيين كمال كليتشدار أوغلو ورجب طيب أردوغان عجز كل منهما ان يحصل على الأغلبية المطلقة وهي 1+50% ليصبح رئيسا، وبالتالي سنكون بصدد جولة أعادة إذا استمرت النتائج على هذا النحو بعد انتهاء الفرز.
وأوضح عبد الفتاح ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن نتائج الانتخابات أدت الي ذلك لاعتبارات عديدة أولها ان أردوغان بدأ ينزف أصوات كانت موجهه اليه في الانتخابات السابقة وهي المرأة والاكراد والشباب، وحدث تحول في تصويت هؤلاء لمصلحة كمال كليتشدار أوغلو لان أوردوغان عجز عن التواصل معهم وكسب رضائهم، وبالتالي كسب أوغلو انتزاعهم منهم.
وتابع: وهذه الفئات صوتوا لصالح أوغلو، الشباب 6 مليون والمرأة 51 مليون والاكراد من 15 لـ 20 مليون وهذه القوة بدأ يفقدهم اردوغان بشكل كبير.
وأكد أن الامر الآخر هو تفتيت الأصوات بمعني أن المرشح الثالث سنان أوغان حصل على 6% كان من الممكن أن توزع هذه الأصوات على أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو ولو كان أردوغان حصل منهم على 2% فقط كان الانتخابات حسمت ولكن تصويت 6% عطلت الحسم 50+1.
وأضاف الخبير في الشأن التركي، أن محرم إنجه الذي انسحب من سباق الانتخابات كان اسمه متواجد على الورق أخذ 1% بمعدل 250 ألف صوت كان من الممكن يحسموا بشكل كبير ولكن عملية التفتيت عطل الحسم.
ولفت أن الأوضاع الاقتصادية والزلزال المدمر والغضب من سياسات أردوغان وغياب الديمقراطية كلها عوامل عطلت من فوز رجب طيب أردوغان، ولكن في الأساس أردوغان لم يكن يعلم التحول في الخريطة الانتخابية داخل تركيا ويتعامل مع الناخبين الجدد.
واستطرد: جولة الإعادة ستكون بين رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو الملعب أصبح مفتوح للمنافسة والفوز بينهم يفوز بفارق كبير ولم يوجد المرحلة القادمة في الانتخابات تفتيت أصوات.
واختتم: وفي النهائية لم نجزم من يستطيع الفوز لان القرار متوقف على الناخب التركي، ولكن يمكن القول فازت تركيا في انتخابات نزيهة مشاركة 90% ولا توجد شكوى أو تجاوزات، وبالتالي بغض النظر من فاز تركيا هي من فازت.
العالم يتجه انظاره الي تركيا
والجدير بالذكر، عاشت تركيا أمس ليلة طويلة اتسمت بالتوتر، ولم يخل صباح اليوم أيضا من ذلك التوتر، نظرا لعدم حسم نتيجة الانتخابات التي أراد الناخبون عموما حسمها في الجولة الأولى، وستدخل تركيا أسبوعين آخرين من أجواء التوتر، استعدادا لجولة إعادة لم يرغب أحد في خوضها، لا سيما أنصار المعارضة.
وهذه الأجواء عاشتها تركيا بعد ان ذكرت وكالة الأناضول الرسمية أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان البالغ 69 عاما حصل على 49.35 من الأصوات، بينما حصل كيليتشدار أوغلو على 45,0% بعد فرز 98% من الأصوات.
وبالفعل اتجهت أنظار العالم نحو تركيا بعد خوض معركة المنافسة في الانتخابات الرئاسية، حيث كان يتوقع العالم أن يمر التصويت كما في السابق، بهدوء وبنسبة مشاركة متوسطة قد يرافقها تذمر شعبي لكن على عكس المتوقع اتجه الأتراك نحو صناديق الاقتراع بعزم وبأعداد كبيرة.
وكتبت صحف عالمية عن الحدث الذي يبقى حتى اللحظة محط الأنظار، مشيدة بنسبة المشاركة العالية التي بلغت 87.21%.
قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن نسبة المشاركة لا تحلم بها لا فرنسا ولا الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من هذه النسبة إلا أن الناخبين لم يحسموا النتيجة التي يتوقع أن تتأجل حتى الجولة الثانية بعد أسبوعين.
وأكد الكرملين اليوم الإثنين أن العلاقات بين موسكو وأنقرة ستستمر في "التعمق" بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية التركية التي تتجه إلى جولة ثانية غير مسبوقة بعد دورة أولى جرت الأحد.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف "نتابع المعلومات الصادرة من تركيا بانتباه واهتمام كبيرين سنحترم خيار الشعب التركي لكن على أي حال، نتوقع استمرار تعاوننا وتعميقه وتطويره".