انتشرت مؤخرا جرائم العنف الأسري بشكل كبير في المجتمع، ومنها جرائم تعذيب الصغار من أسرهم بأساليب تفتقد للإنسانية، ويحدث هذا في غفلة، ظنا من الآباء والأمهات أن أمرهم لكن ينكشف ولن ينالوا ما يستحقون من عقاب.
6 سنوات من التعذيب والتنمر
وأمرت النيابة العامة بحبس والدة فتاة بالسلام لضربها وتعذيبها، حيث كانت إدارة البيانِ بمكتب النائب العام قد رصدت تداول بعض مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لفتاة تستغيث فيها من والدتها لتعذيبها الدائم لها والتنمر عليها منذ طفولتها، دون تحريرِها أي محاضر بذلك.
وناشدت الفتاة خلال مقطع الفيديو النيابة العامة لنجدتها وحمايتها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، فباشرت النيابة العامة تحقيقاتها على الفورِ بِناء على ما تم رصده.
[[system-code:ad:autoads]]
وبمناظرة جهات التحقيق للفتاة تبين إصابتها بأماكن متفرقة بالجسد، وبسؤالها عن سبب تلك الإصابات أقرت أن والدتها اعتادت الاعتداء عليها بالضرب منذ 6 سنوات كما اعتادت حرقها بأماكن متفرقة من جسدها بطرق وأدوات مختلفة.
وأقرت الفتاة أن والدتها استخدمت سلاح أبيض "سكين" وقطعة حديدية ومياه ساخنة لإصابتها بأماكن متفرقة بالجسد، كما أنها اعتادت التنمر عليها وسبها والحط من كرامتها.
وجرى ضبط والدة فتاة السلام واستجوابها فيما هو موجه إليها من اتهامات بضرب ابنتها وإصابتها عن سبق إصرار باستعمال أدوات مختلفة، وكذا سبها بما يخدش شرفها واعتبارها، فأنكرت ما نسب إليها، كما نفت تعديها عليها بالضرب طوال الـ 6 سنوات الماضية، وبررت تعديها عليها بالضرب بأنها فعلت ذلك بقصد تربيتها وتهذيبها.
كما سألت النيابة العامة كذلك والدها وشقيقتيها وجارًا لهم ووالدة صديقتها التي كانت هاربةً لديها.
واستهلت النيابة العامة تحقيقاتها بالاطلاع على محتوى المقاطع المصورة المنشورة لمحاولة تحديد مكان تواجد الفتاة فتبين أنها هاربة لدى مسكن إحدى صديقاتها وتستغيث طالبةً عدم إعادتها مرةً أخرى لمسكنها لدى والدتها ونقلها من المعهد الذي تدرس فيه، فتوجهت النيابة العامة لذلك المعهد وتحصلت منه على عنوان منطقة سكنها، وأرشد الأهالي عن موقعه تحديدًا، وتم التقابل مع والدها وشقيقتيها وجار ملاصق لهم في غيبة والدتها، فاصطحبتهم النيابة العامة لسؤالهم.
كما أرشد عامل بالمعهد عن محل سكن صديقة للفتاة، فتوجهت النيابة العامة إليه حيث تم العثور على الفتاة به، وتم اصطحابها ووالدة صديقتها لسؤالهما.
وعلى ذلك أمرت النيابة العامة بحبس المتهمة احتياطيًا على ذمة التحقيقات، وعرض الفتاة على مصلحة الطب الشرعي؛ لتوقيع الكشف الطبي عليها، وتحديد إصاباتها وسبب وكيفية حدوثها.
وقال الخطيب محمد، الخبير القانوني، إن تعذيب الأبناء جريمة ولابد من معاقبة مرتكبها وخاصة من الأهل غير المسئولين ويمارسون القسوة على أبنائهم، وأن العقوبة ستكون في المواد القانونية الخاصة بالضرب وإحداث العاهة لعدم وجود نص صريح لعقوبة التعذيب.
وتابع فى المادتين (240) و(241) من قانون العقوبات: "إذا كان الضرب بأداة أو بدون أو كان فيه تعدد وتكون عقوبته الحبس لمدة لا تزيد عن 3 سنوات، وإذا نتج عن الضرب عاهة مستديمة تكون العقوبة من 3 إلى 5 سنوات وإذا كان فيه سبق إصرار وترصد فتكون العقوبة السجن المشدد من 3 سنوات لـ 10 سنوات".
العقوبة تصل إلى 10 سنوات
من جانبه قال حسام حسن الجعفري، الخبير القانوني والمحامي، إنه لا توجد مادة في قانون العقوبات تتعلق بفرض عقوبة على من يرتكب أفعال تعذيب للأطفال، ما ساهم فى هروب الجناة من جرائمهم، وارتفاع هذا النوع من الجرائم، مشيرا إلى وجود اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها مصر، مطالبا بتفعيلها لحماية الأطفال.
ووفقا للجعفري، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضح أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، وتلك الاتفاقية صدقت عليها مصر، وطبقا للقانون الدولي فإن الاتفاقيات التي يتم التصديق عليها تأخذ حكم القانون المحلي، وتكون جزء من النسيج التشريعي للدولة المصدقة عليها والأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع.
ونصت المادة الأولي من الاتفاقية أن الطفل الإنسان الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.
وأضاف الجعفري: نصت المادة (37) من ذات الاتفاقية على تكفل الدول الأطراف بما يلي:
- ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم.
- ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، ويجب ألا يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا ملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة على المستوى المحلي.
يكفل قانون الطفل على وجه الخصوص، المبادئ والحقوق الآتية:
- حق الطفل فى الحياة والبقاء والنمو في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة وفي التمتع بمختلف التدابير الوقائية، وحمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال.
- الحماية من أي نوع من أنواع التمييز بين الأطفال، بسبب محل الميلاد أو الوالدين، أو الجنس أو الدين أو العنصر، أو الإعاقة، أو أى وضع آخر، وتأمين المساواة الفعلية بينهم فى الانتفاع بكافة الحقوق.
- حق الطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة فى الحصول على المعلومات التى تمكنه من تكوين هذه الآراء وفى التعبير عنها، والاستماع إليه فى جميع المسائل المتعلقة به، بما فيها الإجراءات القضائية والإدارية، وفقا للإجراءات التى يحددها القانون.
وبحسب الجعفري: تكون لحماية الطفل ومصالحه الفضلى الأولوية في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة بالطفولة أيا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها"، فلا يوجد مادة في القانون تتعلق بتعذيب الأطفال فقط.
وبالتالي يوجد هنا فراغ تشريعي والحل هنا: "إعادة النظر في قانوني الطفل والعقوبات"، فالأصل هو أن الاعتداء البدني بكل أنواعه بشكل عام جريمة في قانون العقوبات.
حكم ضرب الأبناء في الدين
كما أن المشرع الدستوري اعتبر أن التعذيب جريمة وجلعها جناية لا تسقط بالتقادم، حرصا منه على التأكيد رفض استخدام القوة والعنف المفرط داخل المؤسسات المدنية والتربوية.
وأشار إلى أن قضايا تعذيب الأطفال تتحول إلى جنحة ضرب ولا يتجاوز الحكم فيها 3 سنوات، وإذا تسبب الضرب فى عاهة مستديمة فقد تصل العقوبة من 3 إلى 7 سنوات.
وقانون الطفل الحالي يسمح بتقديم أي مواطن بلاغ أو تحرير محضر فور ملاحظته تعرض طفل للخطر، من خلال خط نجدة الطفل (16000).
كما تضمن التعديل النص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه كل من سُلم إليه طفل وأهمل في أداء أحد واجباته إذا ترتب على ذلك ارتكاب الطفل جريمة أو تعرضه للخطر في إحدى الحالات المبينة في هذا القانون.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنة وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان ذلك الفعل ناشئا عن إخلال جسيم بواجباته.
يذكر أنه قد قال الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أن ضرب الأطفال فى حد ذاته ليس وسيلة للتربية ومسلك خاطئ باعتراف علماء النفس والتربية، إنما التربية الصحيحة تكون بالقدوة والرحمة والمودة.
وقال مفتى الجمهورية، ردا على سؤال.. هل يجوز ضرب الطفل العنيد؟ نشرته الصفحة الرسمية لدار الإفتاء عبر فيسبوك في وقت سابق: "الضرب فى حد ذاته ليس وسيلة للتربية، وإنما التربية الصحيحة تكون بالقدوة والرحمة والمودة وأخذ الناس برفق، الولد فى هذه السن الصغيرة يحتاج إلى التعليم وإلى أخذ قدوة له، أما الضرب فهو مسلك خاطئ باعتراف علماء النفس والتربية".
وكانت دار الإفتاء المصرية، قالت في فتوى سابقة، إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم هو المعلم الأول، ولم يرد عنه أنه ضرب طفلاً قط، وهو الأسوة والقدوة الحسنة الذى يجب على المعلمين أن يقتدوا بسيرته الكريمة العطرة فى التربية والتوجيه، كما قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا"، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: «مَا ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نِيلَ منه شىءٌ قطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم».
وقالت الدار: "يُحمَل الضرب الذى ورد ذكره فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين»، فهو فى الحقيقة نوع من التربية والترويض والتأديب النفسى الذى يُقصَد به إظهارُ العتاب واللوم وعدم الرضا عن الفعل، وليس ذلك إقرارًا للجلد أو العقاب البدنى؛ بل إن وُجِدَ فهو من جنس الضرب بالسواك الذى لا يُقصَد به حقيقة الضرب بقدر ما يُراد منه إظهار العتاب واللوم".
كما قد قال الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه لا يجوز ضرب الأبناء مطلقا في أي عمر حتى الحديث الذى قال فيه صلى الله عليه وسلم: "علِّموا أولادَكُمُ الصلاةَ إذا بلَغُوا سبعًا، وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشْرًا، وفرِّقُوا بينهم في المضاجِعِ"، تكلم العلماء فيه بالضعف وحتى هذا الضرب ليس المقصود به الضرب المبرح وإنما المقصود به نحو من التوجيه كأن تضربه بعصا صغيرة على يده لتشجعه على الصلاة".
واختتم أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية قائلاً: “لكن الضرب لم يعد وسيلة تربية ناجحة بشهادة العلماء ويورث في نفسية الأبناء صفات سلبية كثيرة”.