تناولت خلال المقال السابق ملامح مشروع جيورا آيلاند الذى يهدف إلى القضاء تماما على حقوق الفلسطينين فى وطنهم، ومنحهم جزء من قطاع غزة وجزء من أرض شبة جزيرة سيناء المصرية لإقامة الوطن البديل لهم، لتنفرد إسرائيل وحدها بكامل الأراضى الفلسطينية، وتواصل معي السفير دياب اللوح سفير دولة فلسطين بالقاهرة ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية، كرد فعل على تلك المقالة و للرد على مزاعم المشروع وتأكيد رفض السلطة الفلسطينية تماما لهذا المخطط الشيطاني،
وأكد السفير الفلسطينى خلال اللقاء الذى جمعنى به بمقر السفارة بالقاهرة، أ، المشروع القديم الحديث فى ذات الوقت تم طرحه منذ الخمسينيات، وجميع القيادات الفلسطينية المتعاقبة رفضت المشروع رفضا باتاً سواء الشهيد أبو عمار وأبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وشدد على رفضهم للمخطط وتمسكهم بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضيهم التى احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
وقال : نرفض إقامة الدولة الفلسطينية على جزء من قطاع غرة وجزء من أرض سيناء المصرية لأن ذلك يمس السيادة الوطنية المصرية ونحن ندعم السيادة المصرية على ترابها الوطنى، ولفت ألى أن هذا المشروع روج له قديما وتم الترويج له مرة أخرى خلال السنوات الاخيرة، وهذا لمشروع ليس له وجود سوى فى ادراج وعقول بعض الاسرائيليين سواء فى الحكومة الاسرائيلية أو خارجها، لذلك اؤكد للشقيقة الكبرى مصر والشعب المصرى العظيم رفضنا نحن الفلسطينين هذا المشروع، وانه من حقنا كفلسطينيين طبقا لاتفاقية أوسلو اقامة دولتنا على حدود 1967 وعاصمتنا القدس الشرقية .
وأكمل حديثه معى بأن حلم بنى صهيون بإقامة دولة اليهود الكبرى من نهر النيل للفرات سقط فعليا ومن الصعب تحقيقه وأصبح مجرد خرافة فى عقول بعض الاسرائيلين وتم القضاء على هذا الحلم بيد المقاومة الفلسطينية وارادة الشعب الفلسطينى وانتصار الجيش المصري العظيم فى حرب اكتوبر 1973 وتحرير سيناء اسقط هذا المشروع عملياً .
واكد خلال اللقاء ان مصر قدمت الكثير والكثير لخدمة القضية الفلسطينية .
[[system-code:ad:autoads]]
وبالعودة للحديث عن ملامح المشروع الذى سردت تفصيلها خلال المقالة السابقة، الدلائل تؤكد أن الإخوان قدموا تنازلات أو التزامات، ربما كانت متوافقة مع وثيقة «جيورا إيلاند» مستشار الأمن القومى الإسرائيلى الأسبق مطلع العام 2010، وهى الوثيقة الطويلة والمليئة بالتفاصيل، التى نذكر منها على سبيل التذكرة أن الإدارة الأمريكية اقترحت على الدول العربية تحسين علاقتها مع إسرائيل مقابل استعدادها للتنازل عن أراضٍ.
الأمر فى الظاهر قد يمثل خسارة للجانب الإسرائيلى، فمن جهة سيضطر الجانبان «الإسرائيلى والفلسطينى» إلى الاكتفاء بدولة صغيرة ومكتظة سكانيا، ومن جهة أخرى ستكونان محاطتين بدول ذات أراضٍ شاسعة، مع عدد قليل من السكان (الأردن، صحراء سيناء، السعودية).
الأمر الوحيد الذى تملكه الدول العربية بكثرة وتحتاج إليه إسرائيل وفلسطين بصورة مؤكدة هو الأرض، فإذا تنازلت هذه الدول عن جزء قليل من الأرض، يمكن إدخال تحسينات كبيرة على وضع الدولتين.
الوثيقة مضت فى وضع أسس للاتفاق فذكرت أن على مصر أن تنقل إلى غزة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومترا، وتشمل جزءاً من الشريط المبنى الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربا حتى العريش، إضافة إلى شريط يقع غرب «كرم سالم» جنوبا، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر.
وعلى هذا الأساس سيكون حجم قطاع غزة البالغ حاليا 365 كيلومترا نحو أكثر من ألف كيلو متر.
ومقابل الأراضى التى ستعطيها مصر إلى فلسطين ستحصل من إسرائيل على منطقة جنوب غرب النقب، حيث يمكن أن يصل حجم الأراضى التى ستنقلها إسرائيل إلى مصر إلى 720 كيلومتراً.
الوثيقة حاولت أن تعدد الفوائد التى ستعود على مصر جراء عملية تبادل الأراضى، وكأنها «جوائز»، حيث قالت إن مقابل إعطاء مصر الفلسطينيين- وليس إسرائيل- 720 كيلومتراً من أرضها، ستحصل على عدة فوائد قد تحل بسببها عدة مشكلات.
الجائزة الأولى - من وجهة نظر الوثيقة - هى أن مصر معزولة جغرافياً عن الجزء الشرقى من الشرق الأوسط، وذلك عبر البحر الأحمر إلى الشرق الجنوبى، والبحر المتوسط فى الشمال، ومن أجل السماح بارتباط برى، ستسمح إسرائيل بحفر قناة تربط بين الأردن ومصر. وستمر القناة التى يبلغ طولها نحو عشرة كيلومترات من الشرق إلى الغرب (على بعد خمسة كيلومترات من إيلات) وتكون خاضعة للسيادة المصرية الكاملة. بحيث لا يحتاج الانتقال من مصر إلى الأردن إلى موافقة إسرائيلية.
أما الجائزة الثانية فهى أن بين المطار الجديد فى غزة الكبرى، والمرفأ البحرى الجديد على شاطئ البحر المتوسط، والقناة التى تربط مصر بالأردن، يجرى شق شبكة من الطرق السريعة للسيارات، ويمد أنبوب للنفط (مسار هذه الخطوط سيكون بمثابة حدود أردنية – مصرية على الجانب المصرى) وتجتاز هذه الخطوط الثلاثة القناة إلى الأردن، ومن هناك ستتوزع شمالاً فى اتجاه الشمال الشرقى نحو العراق والأردن، وجنوباً فى اتجاه السعودية ودول الخليج. وسيؤدى هذا الربط إلى فوائد اقتصادية ضخمة.
وهنا الفائدة التى ستجنيها مصر واضحة: إذ ستحصل الجمارك المصرية على حصتها من حركة التنقل بين الأردن والعراق والخليج العربى من جهة ومرفأ غزة من جهة ثانية.
الجائزة الثالثة هى الخاصة بالمياه، حيث أكدت الوثيقة أن مصر تعانى من مشكلة مياه آخذة فى التفاقم وليس باستطاعة دولة نحو خمسين فى المائة من سكانها يعيشون على الزراعة الاستمرار، لعقد أو أكثر، من دون حل جذرى لمشكلة المياه. الأمر الذى يقتضى توظيف استثمارات فى تحلية مياه البحر وتكرير المياه، ويتطلب هذا أموالاً طائلة وتكنولوجيا متطورة، من هنا فإن العالم سيقدم لمصر خدمة جليلة عبر البنك الدولى فى مشاريع تحلية المياه وتكريرها، إضافة إلى جائزة بناء مفاعلات نووية من أجل إنتاج الكهرباء.
الجائزة الأخيرة كانت خاصة بالتواجد العسكرى فى سيناء، الذى كان مقيدا باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، حيث نصت الوثيقة على السماح لمصر بإجراء تغييرات على الملحق العسكرى لاتفاق السلام.
كل هذه الجوائز وأكثر ربما كانت مسار تفاهمات بين الإخوان والجانب الإسرائيلى، إلا أن مصر بقياداتها الحالية تنطلق وفق ثوابت أخلاقية أساسية رافضة لمبدأ تبادل الأراضى مع إسرائيل، ومن قبلها الرفض الكامل لفكرة التنازل عن أى أرض مصرية لحل أى نزاع، حتى لو كان هذا النزاع الذى قدمت فيه مصر كل نفيس وغال من تضحيات أبنائها.