الوصاية على المال، واحدة من القضايا المهمة المُلحة على المجتمع المصري والتي تناولها مسلسل "تحت الوصاية" في شهر رمضان الماضي، لذلك نال ملف الوصاية على المال اهتماما بالغا وجاء على ضمن أولوية الموضوعات التي يناقشها المحور المجتمعي بالحوار الوطني، وتم تحديد جلسة خاصة به الخميس المقبل 18 مايو.
والولاية أو الوصاية تثبت شرعًا للوصي الطبيعي (الأب)، وفي حالة وفاته إلى (والد الأب) وفي حالة وفاته إلى (الأم)، ما لم يترك الأب وصية معلنة قانونًا لتعيين شخص معين وصيًا على أطفاله، ويجوز للأم التنازل عن الوصاية لشخص آخر، بشرط أن يكون على صلة بدم القاصر مثل (العم أو الأخ).
معنى الوصاية
الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق، قال إن كلمة الوصاية تستعمل بمعنين إما إدارة المال فتسمى الوصاية على المال، وأخرى لإدارة حضانة الطفل الصغير ورعايته وهي الوصاية على شؤون الطفل، مؤكدا أن هناك وصاية موضوعها المال وأخرى الإنسان والطفل.
وأكد أنه من أجل المحافظة على أموال اليتامى وعدم ضياعها، أنشئ ما يعرف بالنيابة الحسبية أو المجلس الحسبي وهو المعنى بإدارة أموال الأطفال القصر حال وفاة الأب، مضيفا أن الأم تقوم بتسجيل أموال اليتامى في المجلس الحسبي، وتصرف من أموال اليتامى ما تحتاج إليه من النفقة على هؤلاء الأطفال وذلك بموجب فاتورة تقدم إلى القاضي.
وأشار إلى أن الأم هي أقدر على القيام بمسئولية الأطفال اليتامى، منوها أن الترتيب في الإشراف والوصاية على أموال اليتامي يقضي بأن الأب بعد وفاته يتولى مهمة الإشراف على أموال اليتامى بمن أوصاه الأب بهذه المسئولية ثم الجد إذا لم توجد وصية من الأب، ثم الأخ (عم اليتامى) ثم القاضي وهو الذي له سلطة بتعيين من يراه أمينا وكفأ للقيام بهذه المهمة.
ووجه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، رسالة للأزواج والأهل بألا يجعلوا الطفل في مرمى الصراع والخلافات.
وقال علي جمعة، إن الطفل لابد أن يعيش هنيئا وألا يتحمل عدم توفيق أبويه، لافتاً إلى أننا نريد أن نمنح القاضي فسحة كبيرة حتى يحكم بالواقع في مسألة الإشراف على أموال اليتامى والوصاية عليه.
وأوضح أننا أمام حالات كثيرة جدا يصعب صياغتها ولابد من تدريب القاضي على كيفية التعامل مع هذه القضايا من الناحية الإنسانية والشرعية والقانونية والمجتمعية.
وأكد أننا نريد أن نصل إلى الرقي الإنساني الذي يحمي الأطفال ويعيشون في حالة رضاء عند الانفصال أو فقد الأب أو الأم، مكرراً الشكر لصناع عمل مسلسل تحت الوصاية على جهودهم في إخراج هذا العمل الفني في صورة طيبة.
وأوضح أن الوصاية تستخدم لإدارة المال وتكون الوصاية على المال أو لإدارة الحضانة لرعاية الأطفال، موضحا أن وصاية المال للوصى تحتاج إلى عدد من الأمور أبرزها: الأمانة والكفاءة، وبالتالى يجب رعايته والحفاظ عليه للأطفال.
وأضاف أن الوصاية مرتبطة بظروف العصر، واختلف الفقهاء حول أحقية المرأة بها ولا يوجد فى الكتاب والسنة ما يحدد "الوصي"، مضيفا أن المرأة فى هذا العصر أصبحت تعتلى العديد من المناصب الهامة، والوصاية أصبحت مشكلة مجتمعية والمرأة أقدر عليها بحكم رعايتها لأبنائها.
فيما قال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر سابقا، إن أمر الوصاية على مال اليتيم أو الأبناء القصر وما يصلح له تصدره المحكمة، هل الأنسب الأقارب أم الأم؟، لافتا إلى إنه لا يستطيع أحد التصرف في مال اليتيم أو القصر إلا بالرجوع إلى المجلس الحسبي.
وتابع الأطرش: من وجهة نظري يفضل أن يكون الأقارب هم الأوصياء على مال اليتيم وليس الأم،لأن الأم قد تتزوج من رجل آخر بعد وفاة زوجها فتذهب أموال أبنائها لهذا الرجل.
فيما أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهرإ إنه لا يوجد نص صريح يمنع تولي المرأة الولاية والوصايةالمالية على أبنائها؛ مضيفا أن السيدة عائشة لم تنجب وكانت وصية على بنات أخيها، مشددًا على أن هناك قاعدة فقهية تقول “لا ينكر تغيير الأحكام بتغير الأزمان”، موضحًا أن المرأة الآن أصبحت دارسة للاقتصاد وجامعية ولديها حسن تصرف ولا تمنع من الوصاية.
وأضاف "كريمة"، أنه لا يوجد ما يمنع من وصاية الأم المالية على أموال أبنائها، مستدلًا على ذلك بالقاعدة الفقهية: "لا مانع حيث لا مانع"، فطالما إنه لا يوجد أن تكون المرأة وصية على أبنائها، فيحق لها ذلك.
إجراءات الوصاية
وتتمثل إجراءات الوصاية، في أن يقدم طالب الوصاية طلبا إلى النيابة العامة للولاية بشأن الأموال مع طلب تعيينه وصيًا على القاصر، مع صورة من الرقم القومي مرفقًا (ويفضل أن يكون ذلك مع محام)، ويرفق بالطلب شهادة وفاة الأب والجد عند تقديم الطلب، مع إرفاق شهادات ميلاد القصر، ثم يتم فتح تحقيق يثبت فيه طالب الوصاية ويفرض الوصاية على أموال القصر أو غير الأكفاء.
وللوصي الحق مبدئيًا في التصرف في أموال القاصر سواء عن طريق البيع أو الشراء، لكنه حق غير مكتمل تحت إشراف صارم من النيابة العامة على الأموال وبترخيص رسمي، باستثناء التبادل المباشر بإذن من المدعي العام فقط، وهذا الحق في التصرف مقيد بقيد شديد الأهمية، وهو ضرورة تقديم قائمة جرد التركة والموافقة عليها من المحكمة.
ودور النيابة العامة، يبرز أنها الوصي على تصرفات الولي، فلا يجوز لولي الأمر القيام بأي عمل يتعامل مع أموال القاصر إلا بإذن رسمي منه بمساعدة النيابة وبتأشيرة من رئيس النيابة، ثم عرضها على محكمة الأسرة لاختصاص المال باستثناء التبادل المباشر.
من له حق الوصاية على مال الوصي عليه
الوصاية القانونية: هي إعطاء سلطة التصرف فيما يحق لك التخلص منه في الوصاية على أطفالك القصر ومن في حكمهم ممن لم يكونوا قادرين على بلوغ سن الرشد، والنظر في أموالهم والتصرف فيها بما يحفظها لهم من الضياع والنقص.
تنازل الجد عن ولايته على أحفاده القصر
ولاية الجد الصحيح المذكور على أولاد ابنه القصَّر إذا لم يكن أبوهم قد اختار في حياته وصيًّا عليهم، وتثبت هذه الولاية لجد هؤلاء القصَّر ثبوتًا طبيعيًّا وجبريًّا، ولا يجوز له أن يتنحى عن هذه الولاية إلا بإذن المحكمة الحسبية المختصة؛ طبقًا للمادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1952م بأحكام الولاية على المال المعدل لأحكام قانون المحاكم الحسبية رقم 99 لسنة 1947م، ولا يجوز للجد أن يعهد بالوصاية على هؤلاء القصر لغيره أيًّا كان هذا الغير؛ لأن إباحة هذا الأمر خاص بالأب وبالمتبرع بمال للقاصر فقط وليس منها الجد؛ طبقًا للمادة 28 من القانون 119 المذكور.
فإذا حدث من هذا الجد التنازل عن ولايته لأولاد ابنه القصَّر كانت المحكمة الحسبية المختصة هي صاحبة الشأن في اختيار الوصي وتعيينه على هؤلاء القصَّر.
والإجراء الذي يتبع في ذلك يكون بتقديم طلب للمحكمة الحسبية المختصة لعرض الأمر عليها وتقرر ما تراه في مصلحة القاصر في كل ما ذكر، وهذا هو حكم هذه الحادثة؛ طبقًا لما استقر عليه الأمر أخيرًا وجرى عليه العمل بمقتضى القانونين المذكورين.
يجوز للأب أو للجد تعيين وصي لابنه القاصر
وينص قانون الأحوال الشخصية على أنه: يجوز للأب أو للجد تعيين وصي لابنه القاصر، كما يعين القاضي في حالة عدم وجود ولي أمره وصيًا على شؤونه، مع مراعاة مصلحة القاصر.
والوصي القانوني هو المسؤول عن اتخاذ القرارات اليومية بشأن الطفل والإشراف عليه نيابة عن الوصي الطبيعي وبناءً على أمر من المحكمة، وبشكل عام الوصي القانوني هو المسؤول عن رعاية الطفل وتنشئته، واتخاذ جميع قرارات الأبوة والأمومة.
والأصل في ذلك أن مال اليتيم ينتقل إلى الولي الذي ورثه من الأب، وأن يكون الولي من الأقارب كالأم أو العم أو الجد أو غيرهم، وإذا لم يورث الأب لشخص معين الولاية على أموال أولاده، فالجد (والد الأب) هو المسؤول عن أموالهم، فإن لم يكن الجد حاضرا فالولاية للأم أو لأقرب الأقارب كالأخ والعم، وما شابه ذلك.
والولي من تثبت ولايته على القاصر، كالأب والجد، والتي تثبت ولايته دون الحاجة لحكم قضائي، أما الوصي فهو من تثبت ولايته المالية على القاصر بحكم قضائي مسبب.
وإذا مات الجد بعد ذلك يرث الأعمام والعمات ميراث الأب، وليس للأبناء شيء، وهذا صحيح في الميراث، لأن الأبناء لا يرثون من جدهم طالما الأبناء أنفسهم حاضرين. وهذا لأن الوراثة تقوم على قواعد معينة، والقاصر نوعان: قاصر مميز، وقاصر غير مميز، ففي القانون القاصر المتميز هو من تجاوز سن الثالثة عشرة، والقاصر غير المميز هو الذي لم يبلغ بعد سن الثالثة عشرة.
مقترحات النواب بشأن الوصاية على المال
وقالت الدكتورة دينا هلالي عضو لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة وحقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، إنها مع انتقال الوصاية إلى الأم مباشرة بعد وفاة الأب بدلًا من الجد أو العم، وذلك لكون الأم الأكثر دراية بمصلحة الأبناء القصر والأكثر إحاطة باحتياجاتهم.
وطالبت "هلالي"، أن تكون وصاية الأم على أموال القصر وفقًا لآليات وضوابط ينظمها القانون الجديد بحيث لا تكون "وصاية مطلقة"، وإنما تكون وصاية مقيدة حتى لا تهدر أموال الأبناء القصر، موضحة: "صونًا لمال الأبناء وحفاظًا عليها، أرى أنه لا يجب أن تكون الوصاية مطلقة للأم، بل تحمها ضوابط وآليات، وهذا ليس من باب التخوين، وإنما من باب الحفاظ على تلك الأموال حتى لا تقع الأم والأبناء فريسة لمشروعات خاسرة أو احتيال البعض.
وطالبت عضو لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة بمجلس الشيوخ، بإلغاء المجلس الحسبي واستبداله بلجنة أخرى بديلة له، يكون ضمن اختصاصاتها الرقابة على أموال القصر، ويمكن للأم أن تطلب صرف جزء من هذا المبلغ في الحالات الطارئة والعاجلة مثل الدراسة والعلاج إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة باحتياجات الأبناء مصحوبة بإثباتات.
ولحفظ أموال الأبناء واستثمارها، اقترحت الدكتورة دينا هلالي أن يتم السماح بإيداع أموال الأبناء القصر في شهادة إدخارية ذات عائد مرتفع، وبذلك يكون تم حفظ أموال الأبناء، وفي نفس الوقت حققت عائدًا وربحًا جيدًا، مما يساعد الأم على أداء النفقات الخاصة بالأسرة.
من جانبها، قالت النائبة مها عبد الناصر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، إنها تؤيد انتقال الوصاية إلى الأم بعد وفاة الأب، كما تطالب بأن تكون الوصاية على الأبناء مناصفة مع الأب أثناء حياته، وذلك فيما يتعلق بالولاية على النفس والولاية التعليمية.
وأوضحت عضو مجلس النواب، أن إعطاء المرأة الحق في الولاية، يأتي تفعيلًا للمساواة المنصوص عليها في الدستور، والتي يجب أن تترجم في صورة قوانين تفعّل على أرض الواقع.