قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عبدالسلام فاروق يكتب: زيارة قصيرة مثمرة

عبد السلام فاروق
عبد السلام فاروق
×

على الرغم من كونها زيارة قصيرة تأتى فى إطار جولة إفريقية لرئيس الوزراء اليابانى فوميو كإيشيد بدأها من مصر،إلا أنها كانت زيارة مثمرة لها أهمية كبيرة خاصةً من حيث توقيتها وكونها بمبادرة من اليابان. لعل أهم نتائج الحوار اليابانى المصرى ما حدث من ترقية العلاقات المصرية اليابانية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهو ما يعنى مزيداً من تحسين مستوى العلاقات المتبادلة على كافة المحاور.

لقد شكلت تلك القمة المصرية اليابانية منعطفاً حيوياً فى مستوى العلاقات بين البلدين منذ زيارة السيسي لليابان عام 2016 ثم فى عام 2019 للمشاركة فى مؤتمر "التيكاد"، تلك الزيارات التى أسهمت فى تعميق العلاقات على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية, وهو ما جعل تلك العلاقات تتسم بخصوصية كبيرة تنبع من توافر الإرادة السياسية فى تطويرها بشكل مستمر ومن المصالح المشتركة والفرص الواعدة الكبيرة التى يمكن استثمارها لصالح البلدين.


اليابان.. منها وإليها

عندما يأتى ذكر اليابان فى أى مناسبة لا ريب أن الاحترام والتقدير يلازم هذا الذكر لأسباب لا تخفى على أحد؛ أولها أن اليابانيين حريصون على احترام أنفسهم والآخرين، ويلزمون أطفالهم بأخلاق مرسومة ومحددة وواضحة المعالم منذ نعومة أظفارهم.. لقد زرت اليابان وشعرت بأنها قريبة منى لقربها من أخلاقنا هنا، بخلاف الصين المجاورة لها والتى لا تلتزم بنفس المعايير الأخلاقية رغم اشتراكهما فى الثقافة والجنس والموقع..الصينيون أنفسهم هم من أطلق اسم اليابان على هذا البلد بشئ من التحريف؛ فكانوا يطلقون عليها "نيهون" أو نييون وتعنى أرض منبع الشمس أو الأرض التى تشرق منها الشمس!
السبب الثانى الذى يدفعك لاحترامها ما فعلته اليابان باقتصادها منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، وكيف تحولت إلى بلد صناعى تصدر التكنولوجيا وتستحوذ على جزء عظيم من التجارة العالمية للسلع التكنولوجية والإليكترونية عالية الجودة، حدث هذا رغم أن تعداد سكانها يزيد عن تعداد سكان مصر بقليل ومساحتها تقل عن مساحة مصر بمقدار الثلث، كما أنها لا تتمتع بموارد طبيعية ولا طبيعة جغرافية جيدة، بل هى تتعرض كثيراً للزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية المدمرة، وأغلب تضاريسها ذات طبيعة جبلية قاسية! وهو ما يجعل قدرات اليابان الحقيقية هى فى استطاعتها أن توظف العنصر البشرى وتديره وتنتفع بمهاراته بشكل متفوق مثير للدهشة والإعجاب.
شجرة العلاقات تنمو باستمرار
اليابان لها بصمات بارزة فى مصر، لعل أهمها الأوبرا المصرية، وما أسهمت به اليابان مؤخراً فى إنشاء المتحف المصرى الكبير والخط الرابع لمترو الأنفاق. إنها شريك اقتصادى لا غنى عنه بالنسبة لمصر.
تلك العلاقات المتميزة تنامت واستمرت وأصبحت مرشحة دائماً للتعاظم، ولاشك أن مثل هذا التنامى فى العلاقات يصب فى مصلحة البلدين..وخلال العام الماضى فقط حدثت قفزة نوعية فى مسيرة العلاقات الاقتصادية جاءت فى شكل عدد من مشروعات المنح والقروض وبرامج التدريب فى عدد من قطاعات التنمية المختلفة..
لقد شهدت العلاقات نقلة نوعية واضحة خلال العقد الأخير؛ فقد قام رئيس الوزراء اليابانى الراحل السيد شينزو آبى بزيارة مصر عام 2015 وتبعتها زيارة السيسي إلى طوكيو في 2016، والتي تم بناءً عليهما اتخاذ خطوات متقدمة لبدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية وإطلاق عدة مبادرات للتعاون المشترك في مجال التعليم والصحة والكهرباء والبنية التحتية.
ثعد اليابان من أهم شركاء التنمية الآسيويين لمصر؛إذ تضم محفظة التعاون الإنمائي معها أكثر من 18 مشروعا تنمويا بقيمة تصل لنحو 3.9 مليار دولار منذ عام 2010 وحتى الآن.إلى جانب العديد من المنح التنموية في مجالات الصحة والتعليم والطاقة والكهرباء والنقل، والطيران المدني، والسياحة والآثار، والري والتعليم، وبما يدعم النمو الاقتصادي المستدام، والإدماج الاجتماعي، وتطوير التعليم وتنمية الموارد البشرية والتعاون الإقليمي ودعم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التغيرات المناخية.
مرتكزات التعاون المتبادل
الوضع القائم فى المنطقة ربما كان سبباً فيما يحدث اليوم من تحرك إفريقي من الجانب اليابانى كما هو واضح؛ إذ أن توقيت الجولة الإفريقية لرئيس الوزراء اليابانى يتزامن مع أزمة السودان، والتوتر القائم بين أمريكا والصين فى بحر الصين الجنوبي. وبينما تمتلك الصين اليوم بالفعل قواعدها الاقتصادية المتعددة فى مختلف البلدان الإفريقية فلاشك أن اليابان فى جولتها تلك تريد إحداث توازن من خلال تعميق علاقتها بالبلدان الإفريقية. وهو ما يعنى أن مصر أمامها فرصة جيدة لتلعب دوراً محورياً فى هذا الشأن؛ لاسيما وأن تصريحات الدبلوماسيين اليابانيين المتكررة مليئة بالثناء على مصر باعتبارها محور العلاقات الدبلوماسية مع كل دول المنطقة وأنها بوابة إفريقيا الطبيعية ، ناهيك عن ثقلها الحضارى والتاريخى والسياسي.
فإذا نظرنا إلى هذه الزيارة نظرة ضيقة محدودة بحجم وقتها المختصر فهى نظرة قاصرة جداً . بينما علينا أن ننظر إلى الجولة الإفريقية ككل باعتبارها تنم عن وجهة سياسية مستقبلية تخطط لها اليابان ومن الممكن أن تلعب مصر دوراً سياسياً وتنظيمياً ضخماً لتحقيق هذا المخطط. وفى ظنى أن هذا بالضبط ما يجعل لهذه الزيارة أهمية خاصة أكبر كثيراً مما تبدو عليه.
رسائل اللقاءات الثنائية
المباحثات بين الجانبين اليابانى والمصري.. أثمرت عددا من الاتفاقيات الإطارية فى ظل رفع مستوى العلاقات لمستوى الشراكة بين البلدين.. لكن أيضاً أثمرت المباحثات عدداً من الرسائل السياسية والدبلوماسية المهمة بين الجانبين .. لعل أهم هذه الرسائل ما أكدته مصر من أن سياستها تقوم على رفض التدخل فى شئون الدول بصفة عامة والمجاورة بصفة خاصة، وأن مصر تنادى بضرورة الوقف الفورى والشامل لإطلاق النار بالسودان.
هذا وقد دعا الرئيس السيسي الشركات اليابانية لضخ المزيد من الاستثمارات فى مصر، مؤكداً أن الأزمة الأوكرانية خلفت تبعات اقتصادية هائلة فوق كاهل الدول النامية، كما أكد أن مصر تقدر جيداً إسهام اليابان فى دعم مسار التنمية وانخراطها المخلص فى دعم مشروعات التنمية الوطنية فى مصر.
من جانبه أعرب رئيس الوزراء اليابانى عن مدى تقديره لدور مصر كشريك اقتصادى مهم لليابان ودورها السياسي لدعم الاستقرار فى المنطقة، واستعداد بلاده لمضاعفة حجم التعاون الاقتصادى فى مصر، وهو ما ظهر جلياً فى رفع مستوى التعاون بين البلدين.
دلالات متعددة
رغم أنها زيارة سريعة إلا أن لها دلالات هامة ومحورية .. أهمها أن اليابان تبحث عن موطئ قدم فى إفريقيا، وتبحث عن مفاتيح مناسبة لإجراء مثل تلك الخطوة، وأنها تعتمد على مصر بشكل أساسي لاتخاذ مثل هذه الخطوة.. وهو ما يعنى أن تلك الزيارة لها ما بعدها.. الدلالة الثانية أن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى الشراكة يستلزم منا بعض الجهد لجنى ثمار مثل هذه المبادرة التى اتخذت اليابان خطوتها الأولى..فاليابان قوة اقتصادية وصناعية لا يستهان بها. وأخيراً أقول إن اقترابنا من اليابان سياسياً واقتصادياً وشعبياً أمر عظيم الفائدة ينبغى أن نسعى لتطويره وتحفيزه بشكل دائم.