امتدح عالم الآثار المصري زاهي حواس، المسيرة الثقافية للفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، حيث أكد أن فاروق حسنى قاد الثقافة إلى قمة الهرم.
وخلال مقال نشره حواس في جريدة المصري اليوم، قال: “اتصل بى صديقى المفكر الكبير، الدكتور مصطفى الفقى، في الصباح الباكر ولم أتعود منه الاتصال في مثل ذلك الوقت! وعرفت منه أنه لم يستطع النوم في تلك الليلة، وكان ينتظر شروق الشمس ليتصل بى على التليفون ويقول لى إنه قرأ مقالاتى عن أنيس منصور وعمر الشريف وأحمد رجب وإنه يؤمن بأننى يجب أن أكتب الآن عن صديق كان يمنعنى الكتابة عنه في الماضى كونى كنت في موقع المسؤولية وأعمل تحت رئاسته، وبالتالى كنت دائما أخشى من أن تفسر شهادتى خطأ، هذا الصديق هو الفنان العظيم فاروق حسنى الذي هو بحق أهم وزير ثقافة في تاريخ مصر. ترك فاروق حسنى بصمة واضحة في كل مجالات الثقافة المصرية، فنان مبدع استطاع أن يجعل الفن والثقافة حقا داخل كل بيت مصرى، وذلك خلال أكثر من ربع قرن قضاها في خدمة الثقافة والفنون المصرية”.
وأضاف زاهي حواس: “عندما تم اختيار فاروق حسنى وزيرا للثقافة وكان لايزال في سن الشباب، حدثت صدمة في كل الأوساط الثقافية في مصر. ولم يتصور البعض ممن كانت عيونهم وقلوبهم تصبو شوقا لمنصب وزير الثقافة أن هذا الشاب الذي أمضى معظم سنوات عمره خارج مصر يمكن أن يقود المثقفين، لذلك شنوا عليه حملة ظالمة ضارية يمكنها هدم أي مسؤول، لكن فاروق حسنى استطاع أن يثبت أقدامه من خلال وضع برنامج ثقافى وخطة تنويرية لمجابهة الجهل والظلام بالمجتمع، وكذلك لخمد نيران الحقد الموجودة داخل صدور بعض المحسوبين على الثقافة المصرية، وفى النهاية وقفوا جميعا يعلنون أن فاروق حسنى قاد الثقافة إلى قمة الهرم”.
وتابع حواس في مقاله: “فى البداية لابد أن أسطر الأسباب التي جعلته يمتلك مفاتيح الثقافة في مصر، وكان أولها أنه أولى عناية خاصة لأهرامات الجيزة، وذلك لعشقه لها. وأذكر أنه قام بشراء مجموعة من المؤلفات التي تدور حول الأهرامات لكى يأخذها معه إلى باريس عندما تم تعيينه ملحقا ثقافيا لمصر في فرنسا. وكنا في ذلك الوقت مجموعة من الأصدقاء نتقابل وفاروق حسنى عندما يعود في زيارة قصيرة إلى مصر. وفى إحدى زياراته قمت بدعوته ومجموعة من الأصدقاء، منهم الكاتب سمير غريب، والكاتب محمد جلال لتناول الغداء في الاستراحة الصغيرة التي كنت أقيم فيها أمام الهرم الأكبر، وتقع أمام مقبرة حم إيونو المهندس العبقرى الذي بنى هرم الملك خوفو. وقد دعوت الزميلة سامية الملاح وكانت تعمل مفتشة آثار الأهرامات، وتزوجها فيما بعد سمير غريب. وكان فاروق حسنى في ذلك الوقت يبحث عن عروسة، وبينما كنا نتناول الغداء وجدت فاروق حسنى يشيد بروعة وسحر المكان ولا يكاد يصدق أنه يتناول الغداء أمام أعظم بناء معمارى شيده إنسان على وجه الأرض”.
وقال إن فاروق حسنى كان من أنشط الملحقين الثقافيين في ذلك الوقت، استطاع عمل حراك ثقافى ضخم، وأن يزيد من عشق الفرنسيين لمصر، وحدث أن وجدته ذات يوم يتصل بى على الهاتف ليطلب منى ترتيب زيارة بصحبة الملكة فريدة إلى منطقة سقارة، وبالفعل حضر هو والملكة وذهبنا إلى سقارة في عربة بيجو عادية يقودها فارق حسنى بنفسه، والى جواره تجلس الملكة فريدة، وفى الخلف أجلس أنا وحدث ونحن على طريق سقارة أن صدم فاروق حسنى قطة، وفوجئت بالملكة في غاية التأثر، وقام فاروق بالتوقف ونزل من السيارة يفحص الضحية ويطمئن على سلامته، وأذرفت الملكة الدموع وهى تمسح على جسد القطة، وتسأل فاروق حسنى عن أقرب مستشفى للحيوانات! كل هذا وأنا أقف أشاهد هذا المنظر المؤثر ولا أنطق بكلمة واحدة! المهم أننا بعد الاطمئنان على القطة وأنها ستعيش، عدنا إلى السيارة وواصلنا طريقنا إلى سقارة. وهناك دخلت الملكة فريدة هرم الملك زوسر من المدخل الجنوبى وليس الشمالى، حيث إن المدخل الجنوبى أقل صعوبة بكثير من الشمالى. وكان فاروق حسنى يشرح جمال الأهرامات وسحرها، وتميزها في الحضارة. وكنت أشرح للملكة تاريخ وعمارة الأهرامات ونظريات البناء. انتهت زيارتنا لسقارة وانتهت فترة عمل فاروق حسنى كملحق ثقافى في فرنسا، وبعد ذلك تولى مسؤولية رئاسة الأكاديمية المصرية في روما. واستطاع أن يحول الأكاديمية المصرية في روما إلى مركز إشعاع وإبداع في الفنون والثقافة والآثار، وأذكر أنه أقام معرضا للوحاته داخل مكان للعرض بجوار الماريوت، حضره الدكتور عاطف صدقى والدكتور صوفى أبوطالب والعديد من الفنانين. ولذلك عندما عين عاطف صدقى رئيسا للوزراء اختار فاروق حسنى وزيرا للثقافة. وعلمت خبر تولى فاروق حسنى الوزارة وذلك أثناء حضورى افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى في مدينة دنفر بالولايات المتحدة الأمريكية. واتصلت لكى أهنئه على المنصب. وكانت هناك اتصالات من السفير عبدالرؤوف الريدى سعيا لتعيينى ملحقا ثقافيا في واشنطن، ووجدت فاروق حسنى يقول لى أنا في انتظارك عند عودتك لمصر وسوف أعينك مستشارا لشؤون الآثار لكى نرسم الخريطة الثقافية للوزارة، وأرجو أن تنسى موضوع الملحق الثقافى في واشنطن.
وأكد حواس أن هذه كانت أول مرة يعرف الناس أن هناك خطة شاملة سوف ترسم وهذه الخطة سوف يساعد في تنفيذها المثقفون ويضاف إليها إبداعات ورؤية وزير ثقافة شاب مفعم بالحيوية والنشاط والأمل في التغيير من أجل مصر. وهنا أود أن أشير إلى أن فاروق حسنى كان يعرف مفاتيح النجاح، لذلك فقد اختار حوله عمالقة وظفهم كل في مجاله. وكان لديه إيمان بأن اختيار الضعفاء يؤدى إلى الفشل. وأن هؤلاء النجوم هم وحدهم القادرون على تحقيق أحلامه. وكان حوله سمير سرحان لهيئة الكتاب، وفوزى فهمى لأكاديمية الفنون، وأحمد نوار للفنون التشكيلية، وسمير غريب لصندوق التنمية الثقافية، والعديد غيرهم من النجوم. وجاء بفؤاد العرابى الرجل الحديدى الذي استطاع بناء الصوت والضوء لكى يكون وكيل أول الوزارة لمكتب الوزير، وبعد ذلك جاء بفاروق عبدالسلام الذي استطاع أن يدير كل المشروعات الثقافية بقوة وشفافية. وكان ينفذ كل أحلام فاروق حسنى، ولذلك كان له دور كبير في نجاح خطة الوزارة ومتابعة مشاريع كل هؤلاء النجوم ولا أعتقد أن الزمان سيجود في أي وقت قريب بشخص بقوة وذكاء فاروق عبدالسلام.
ويقول حواس: “كنت مديرا لأهرامات الجيزة، وفى نفس الوقت مستشار الوزير وعندما أحيل إلى المعاش الدكتور جاب الله على جاب الله، عرض على فاروق حسنى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وقبلت المنصب وقد أسر لى فيما بعد أن اختيارى كان بناء على قناعته الشخصية بأننى سوف أحقق له إنجازات أثرية، خاصة أنه عانى من بعض رؤساء الآثار الذين اختارهم من قبل. ولذلك فقد أنشأ في الوزارة مكتبا لمشروعات الآثار يديره فاروق عبدالسلام وذلك للعمل في مشروع إنشاء المتحف المصرى الكبير، ومتحف الحضارة، وتطوير القاهرة الإسلامية”.
وتابع: “كانت أولى المعارك الضارية في بداية عمله كوزير هي معركة أبوالهول.. حيث كان قد تم ترميم أبوالهول قبل توليه الوزارة بطريقة عشوائية وباستعمال الأسمنت وكذلك الأحجار غير المناسبة. وكنت أدرس الدكتوراة في ذلك الوقت بأمريكا وعند حضورى أوقفت هذا الترميم الذي كان يقوم به العمال دون رقابة وبعد ذلك بشهور سقط حجر من الكتف الأيمن لأبوالهول كان مرمما عام ١٩٢٧. واتصل بى الوزير ليقول هل سقط حجر من أبوالهول؟ قلت له نعم، قال لماذا لم تخبرنى؟ قلت سقوط حجر يحدث كثيرا في الآثار، لكنه قال لكن أبوالهول رمز مصر.. وقال أنا قادم غدا لمشاهدة التمثال! في ذلك الوقت كان المرحوم الدكتور أحمد قدرى غير مقتنع بأن فاروق حسنى يصلح للوزارة، لذلك بدأت المعركة وتدخل العديد من الفشلة لتأجيج الصراع، وحدث العديد من التجاوزات لا داعى لذكرها، لكن فاروق حسنى كان ملتزما كوزير ولم يدخل في صراعات جانبية، وبعد ذلك وجدت الدولة أن هذه المعركة يجب أن تنتهى بإقالة مسؤول الآثار. وبعد ذلك أشرف فاروق حسنى شخصيا على ترميم أبوالهول وشكلنا فريقا من ضمنه آدم حنين ومحمود مبروك، وذلك لإعادة النسب التشريحية للتمثال والتى فقدها خلال الترميم الخاطئ. واستمر العمل لمدة عشرة سنوات وكان الوزير يحضر للمتابعة أسبوعيا. وعندما انتهت أعمال الترميم أقيم احتفال ضخم حضره الرئيس حسنى مبارك، وكان هذا اليوم هو أسعد أيام أبوالهول”..
وأكد أن فاروق حسنى بدأ في تنفيذ سياسته الثقافية في الآثار، وذلك عن طريق بناء متحف الحضارة بالمشاركة مع اليونسكو. واختار بنفسه مكان المتحف الحالى بعين الصيرة أجمل مكان بالقاهرة. وكذلك بدأ في بناء المتحف الكبير وكان المفروض أن يتم افتتاحه عام ٢٠١٥. والعديد من المشروعات في القاهرة الإسلامية وكذلك ترميم الآثار اليهودية والإسلامية والمسيحية، وهنا أشهد شهادة للتاريخ أن فاروق حسنى لم يتدخل إطلاقا في عملى كأمين عام للآثار، وكنت أعرض عليه المشروعات وأنفذها في المواعيد المحددة. واستطعنا بناء ١٨ متحفا موقعيا وقوميا في كل مكان بمصر، بالإضافة إلى ترميم المعابد والمقابر، والبدء في مشروع إدارة المواقع الأثرية من أبوسمبل إلى الإسكندرية. وكان من أحلامنا أن ننتهى من ترميم وتطوير منطقة الهرم، وأنجزنا أكثر من ٨٠٪ من أعمال التطوير. وقد كنا نختلف في بعض الأحيان لكن دائما نغلب المصلحة العامة ولم يفسد خلافنا الود والصداقة بيننا".
وأوضح أن فاروق حسني استطاع، بالتعاون مع الدكتور فوزى فهمى، أن يحول أكاديمية الفنون إلى منارة ثقافية حقيقية، وأن يكون للأكاديمية دور هام في إعداد الفنان القادر أن يعيد للسينما والمسرح أمجادهما، وكان فوزى فهمى من أنشط من عملوا مع فاروق حسنى. وجعله يشرف على مهرجان المسرح التجريدى العالمى الذي كان يقام سنويا، وأشرف على إنشاء دار الأوبرا الجديدة التي نجح في أن يجلب لها فرق البالية والأوبرا العالمية. وأصبحت الأوبرا تساهم في تطوير الوجدان الفنى والثقافى في مصر. وأنشأ مسرح الهناجر وكانت فكرة غير مقبولة من بعض المحسوبين على الثقافة في مصر. وبعد ذلك قامت الهناجر بدور رائع وجميل في تقديم الأعمال الفنية الراقية وتخريج أجيال من المبدعين. وقام فاروق حسنى أيضا بإنشاء مكتبة الأسرة وكانت السيدة سوزان مبارك تشرف وترعى هذا المشروع الذي مكن كل مصرى أن يؤسس مكتبة بأثمان زهيدة! كانت الموسوعات العلمية في مختلف المجالات تتم طباعتها وطرحها بأثمان زهيدة لا تصدق، كانت الناس تتلقف الكتب والموسوعات بمجرد طرحها في المكتبات وعند باعة الصحف.
وتابع زاهي حواس: “عادت مسارح الدولة تضىء الطريق ويتم إنتاج العديد من المسرحيات التي كانت تمتلئ بالمشاهدين وتم ترميم العديد من المسارح التي كانت مغلقة ودخلت الدولة في الإنتاج السينمائى، وتم إنتاج بعض الأفلام التي حصلت على جوائز عالمية. وتم تطوير دار الكتب في نفس الوقت مع المتحف الإسلامى وأقام سمبوزيرم النحت في أسوان. وقدم لنا العديد من الفنانين الذين وجدوا مجالا يمكن أن يزاولوا هوايتهم فيه وأقيمت معارض الآثار الخارجية. وأصبح للعلاقات الثقافية الخارجية دور كبير جدا. واختير لها أيضا الكاتب محمد سلمان، وبعد ذلك محمد غنيم الذي استطاع أن يرسل الثقافة المصرية إلى العديد من عواصم العالم”.
واختتم حواس مقاله: “بلا شك لن أستطيع أن أقدم كل إنجازات هذا الرجل ولكن ولأول مرة تجد رجل الشارع البسيط يتحدث عن الإنجازات التي حدثت خلال فترة فاروق حسنى وهى فترة ازدهار الثقافة. وبعد أن ترك الوزارة لم يجلس لكى يسمع عن إنجازاته، لكنه قدم لنا مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون والعمارة، واستطاع أن يقدم جوائز في كل المجالات الثقافية، واستطاعت المؤسسة أن تصل إلى القرى والنجوع وتبحث عن النجوم والمبدعين لتشجيعهم على الإبداع. مؤسسة فاروق حسنى هي استكمال لدور فاروق حسنى الثقافى الذي سوف يكتب اسمه في التاريخ من ذهب، لأن هذا الرجل وهب حياته لخدمة الثقافة في البلد الذي يعشقه بجنون وصدق.”