كيف نموت على الإسلام ونحن نموت فجأة؟، سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " [آل عمران :102].
كيف نموت على الإسلام ونحن نرحل فجأة؟
وقال علي جمعة: تعد أعظم آية في القرآن من حيث العمل، فكيف نموت إلا ونحن على الإسلام ونحن لا ندري متى نموت؟ فهذا معناه أن الإنسان يظل في ذكر الله سبحانه وتعالى على الدوام حتى إذا ما جاه الموت وجده على الإسلام، وكأن الآية تطالبنا ألا نغفل عنه سبحانه وتعالى طرفة عين ولا أقل من ذلك، فتكون بذلك أعظم آية من حيث العمل، نسأل الله أن يخفف عنا لقصورنا وتقصيرنا وما جُبلنا عليه من نسيان وغفلة.
وأضاف: إذا ما تأملنا في هذه الآية الكريمة، وجدناها وكأنها تأمرنا بأن نحول العادات إلى عبادات، والحاصل في حياتنا أن الإنسان إذا ما أكثر من عمل ما يألف هذا العمل فيتطرق هذا إلى أمور العبادة فتتحول عنده إلى عادة، فتراه يُصلي وينسى في صلاته، وتراه يذكر بلسانه وذهنه شارد في أمور أخرى، لأن العبادة تحولت عنده إلى عادة. وهذا التحول أول الفساد في الأمم، لأن العبادة حينئذ لا تؤدي وظيفتها التي أرادها الله سبحانه وتعالى لها، فيقول الله تعالي: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت :45]، فنرى المصلي لا تنهاه صلاه لا عن فحشاء ولا عن منكر، لهذا السبب.
وتابع: في هذه الآية العظيمة يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بمقاومة أنفسنا، لا في أن نؤدي العبادة على وجهها وحسب بل أيضاً أن نحول العادات إلى عبادات، وقد تميز السلف الصالح والصحابة الكرم بأنهم استطاعوا أن يحولوا العادات إلى عبادات، وذلك لما قدموا في أنفسهم قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (متفق عليه)، فجلوا نياتهم جميعاً لله سبحانه وتعالى في حلهم وترحالهم، في قولهم وسكوتهم، في تركهم وفعلهم حتى صاروا عباداً ربانيين إذا ما مدوا أيديهم إلى السماء ودعوا الله عز وجل، استجاب لهم، فهل يمكن أن نهيئ أنفسنا للربانية، وأن نتقي الله حق تقاته ، وأن ننقل أنفسنا بإذنه من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه، وأن نحول عباداتنا إلى إخلاص لرب العالمين وأن ننقل عاداتنا إلى دائرة العبادة له سبحانه وحده؟
وقال إن ذلك يحتاج على قرار من أنفسنا نبيع به هذه النفس لله سبحانه وتعالى، فنجعل الدنيا في أيدينا ونخرجها من قلوبنا، ونبدأ صفحة جديدة معه سبحانه فنتوب ونندم على ذنوبنا ونعزم على عدم تكرارها، ونقلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ونجعله القدوة والأسوة الحسنة في حياتنا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم. فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا ( رواه الشيخان وأبو داود والترمذي)، وعن أم المؤمنين عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن) صحيح مسلم ، قال ابن كثير في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً .... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.أ.هـ ، فلنجعل لأنفسنا حصة من القرآن كل يوم قلت أو كثرت ولا تقطع نفسك عن كلام الله.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء برنامج واضح ويسير على من يسره الله عليه، والله سبحانه وتعالى لا يريد ظلماً للعالمين، كما كتب ذلك على نفسه وجعل رحمته تسبق غضبه، فأمرنا وأرشدنا ووجهنا لما فيه الخير لأنفسنا، يقول تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون﴾ [المؤمنون :1- 3]، واللغو منه مباح ومنه مكروه ومنه حرام، ولكن المؤمن قد أعرض عن اللغو كله ونقل ما يفعله من أكل وشرب ولبس وسعي وذهاب ومجيء – بالنية الصالحة – لله رب العالمين وحده.
وشدد: هلا دربنا أنفسنا فيما تبقى لنا من زمن حتى نستقبل نفحات الله في أيام دهرنا والله عنا راض، هلا فعلنا ذلك فنجد في أنفسنا حلاوة الإيمان وحلاوة العبادة وحلاوة الذكر، ومن جرب حلاوة الإيمان لا يتركها أبداً، وهكذا شأن الإيمان إذا دخل القلب وداعبت حلاوته القلوب فإنه يزداد ولا ينقص، فهلا فعلنا ذلك حتى نغير من عقائدنا وأحوالنا مع أنفسنا لله وأن نفعل ذلك ابتغاء وجه الله، ولنتأمل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ وحبل الله هو القرآن ﴿وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران :103- 108]