رحل فنان الجرافيك السويسري مارك رودين، السبت، عن عمر ناهز 78 عاماً، تاركاً نحو 200 بوستر يؤرّخ للقضية الفلسطينية، ويوثّق للفظائع التي واجهها هذا الشعب في الداخل المحتل، وفي مخيمات اللجوء في سوريا والأردن ولبنان.
واختار رودين (1945 -2023)، اسم "جهاد منصور" ليوقّع به ملصقاته الداعمة لفلسطين، فهو عُرف كواحد من أشهر مصمّمي ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إذ تناولت أعماله المراحل المريرة لنضال هذا الشعب من أجل الحرية وحق العودة، كما طوّرت تجربته الملصق الفلسطيني، وقدّمت القضية كثورةٍ حضارية عادلة.
ولطالما تزيّنت أغلفة مجلة "الهدف" الفلسطينية برسوماته الفنية المعبّرة.
سويسرا وتل الزعتر
انتقل مارك رودين أو "جهاد منصور" من حياة الرفاهية في سويسرا إلى يوميات اللجوء في مخيمات لبنان، وانضم إلى الثورة عام 1975 بعد أن التقى مناضلين فلسطينيين في إيطاليا، اقترحوا عليه تصميم ملصقات لفلسطين.
وصل رودين إلى لبنان بواسطة قارب صيد، وعمل مع الجبهة الشعبية، ورسم أوّل ملصق عن مجزرة مخيم "تل الزعتر"، الذي تأسس عام 1949 بعد عام على النكبة، وكانت مساحته كيلومتر مربع واحد، ويقع في القسم الشرقي لمدينة بيروت.
وشهد المخيم مجزرة مروّعة في 12 أغسطس 1976، وصفت بـ"الإبادة الجماعية"، وذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين.
وعلى مدى سنوات، أنجز عدداً كبيراً من الرسومات والتصاميم التي تحوّلت إلى أيقونات بصرية على جدران المخيمات، كما شارك في عشرات المعارض الفنية في مخيمات لبنان والشتات.
تخليد ذكرى غسان كنفاني
خلّد رودين الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني بعد استشهاده عام 1972، من خلال بوسترٍ شهير، لا يزال جزءاً مهماً من الذاكرة الفلسطينية. وبعد عودته إلى سويسرا، رسم جدارية ضخمة لكنفاني في ساحة بلدته تكريماً لصديقه المقاوم.
وتضامن مع الثورات الشعبية المقاومة التي دعمت الشعب الفلسطيني، ورسم ملصقات عن الثوّار في كوبا، والسلفادور، ودول أميركا اللاتينية والشمالية، مؤكداً "وحدةَ المسار والمصير" بين هذه الشعوب التي تقاوم الاضطهاد والاحتلال.
غادر رودين بيروت عام 1982 مع خروج الفلسطينيين عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبقي في سوريا حيث تابع مسيرته الفنية والسياسية.
مسار ثوري
يُعدّ رودين نموذجاً لمئات الأشخاص في العالم الذين اختاروا المسار الثوري والأممي في الستينيات والسبعينيات، وناصروا القضية الفلسطينية وقضايا الشعوب والتحرّر، وانخرطوا في قضايا التضامن العالمية.
عام 1979، نجح في الإفلات من الشرطة السويسرية ليبقى في المنفى لسنوات. وعاش في لبنان كلاجئ سياسي حتى عام 1982، وسط ترحيبٍ حارّ من قبل شعب تشكّل وعيه ضمن تجربة المنافي والشتات، ورسّخ حضورة بين المناضلين في هذه الدول.
بعد خروجه من لبنان عام 1982، استقرّ في سوريا حتى عام 1991، واعتُقل بعدها مرّاتٍ عدّة بسبب مشاركته في الأعمال النضالية