الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فرنسا تنشق عن المعسكر الغربي وترفض التبعية لواشنطن.. ماذا يدور برأس ماكرون؟

ماكرون وأورسولا
ماكرون وأورسولا

كشفت التحركات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خاصة زيارته شرقا إلى الصين بصحبة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن أزمة كبيرة داخل المعسكر الغربي المناوئ لروسيا والرافض للحرب في أوكرانيا والداعم لتايوان ضد الصين، كما يفعل الشريك الأقوى داخل المعسكر، وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

ماكرون وأورسولا 

فرنسا وعدم السير خلف أمريكا 

فرنسا من الدول التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فهي من بين الدول التي تعتمد بشكل كبير على العلاقات التجارية مع موسكو، وتأثرت كذلك بسبب الموجات الاحتجاجية والاضطرابات المتواصلة منذ فترة.

كما أن باريس لا تريد ممارسة نفس الدور الذي يلعبه الغرب تجاه موسكو مع بكين، التي يرى ماكرون أن دورها هام جدا في وقف الصراع القائم منذ أكثر من عام داخل أوكرانيا، وكان له آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، وعلى أوروبا تحديدا.

الرئيس الفرنسي له أكثر من تصريح حول الموقف الفرنسي من وقف الحرب ودعم أوكرانيا، حيث أكد إيمانويل ماكرون، لنظيره الصيني، شي جين بينغ، أن "باريس مستعدة للتعاون المكثف مع بكين لحل الأزمة الأوكرانية في أسرع وقت ممكن".

وقال ماكرون كما نقل التلفزيون الصيني: "يولي الجانب الفرنسي أهمية كبيرة لنفوذ الصين على الساحة الدولية، ومستعد للعمل بشكل وثيق مع الصين، وبذل جهود مشتركة لتسوية الأزمة الأوكرانية سياسيا بأقرب وقت ممكن".

وأكد أن فرنسا توافق على أنه من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية، من الضروري "مراعاة المخاوف المعقولة لجميع الأطراف".

كما أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن ضرورة اتخاذ موقف حيادي تجاه أزمة الصين وتايوان، انتقادات واسعة، إذ وصفها المعارضون في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها "مهادنة أكثر من اللازم للجانب الصيني".

وشدد ماكرون، في تصريحاته، على ضرورة عدم الانسياق وراء الإيقاع الأمريكي أو وراء ردود أفعال صينية مبالغ فيها، وشجع دول القارة الأوروبية على البقاء على الحياد، مؤكدًا ضرورة "عدم خوض صراعات لا تمت لنا بصلة، وأنه على أوروبا أن تظل قطبًا ثالثا مستقلًا تماما وألا تكون تابعًا لأي من الأطراف بشأن الصراعات في المناطق الأخرى".

وقال ماكرون، في مقابلة مع صحيفة، بينما كان في طريق عودته إلى باريس بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام للصين، إن "أوروبا ليست لديها مصلحة في تسريع الأزمة بشأن تايوان ويجب عليها تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة".

الرئيس الفرنسي والصيني 

تصريحات ماكرون ضد أمريكا 

وكان ماكرون أدلى بتصريحات لصحيفة "لزيكو" الفرنسية، في أعقاب زيارته إلى الصين، والتي رافقته فيها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قائلا في المقابلة التي أثارت الجدل والأسئلة حول إذا كانت استقلت أوروبا عن أمريكا، إنه يجب:

  • بدء تقليل اعتماد أوروبا على الدولار الأمريكي.
  • يجب إيقاف تبعية أوروبا للولايات المتحدة وتحقيق استقلال القارة الاستراتيجي.
  • ضرورة تقليل اعتماد أوروبا على السلاح ومصادر الطاقة الأمريكية.
  • تجنب الانجرار لمواجهة بين بكين وواشنطن بشأن أزمة تايوان.

تصريحات ماكرون ربما كشفت عن جرح غائر لا يزال قائما في العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية، ربما لمواقف قديمة أو لخلاف حول المصالح، كما حدث مؤخرا في أزمة بيع غواصات فرنسية إلى أستراليا، التي ألغتها الأخيرة بعد الاتفاق على شراء غواصات أمريكية، وهو ما اعتبرته باريس حينها "طعنة في الظهر"، وحدثت على إثرها أزمة دبلوماسية كبيرة مع واشنطن وكانبيرا.

من جانبه قال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية المتخصص في الشئون الأمريكية، إن فرنسا تسعى إلى قيادة تيار أوروبي للتميز والاستقلالية عن أمريكا، حيث تراعي المصالح الأوروبية، وتابع: "فرنسا ترى أن مصالح أوروبا عامة، ومصالح باريس خاصة لا تتوافق ولا تتطابق مع المصالح الأمريكية، وتحديدا فيما يتعلق بالتعامل مع القوى الكبرى الأخرى خاصة روسيا والصين".

وأوضح سيد أحمد، في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن فرنسا لا تعتبر أن الصين عدو لها، ولذلك ذهب الرئيس ماكرون إلى بكين لتأكيد الشراكة الاقتصادية، وهذا التوجه ربما لا يعبر عن كل الدول الأوروبية، فهناك دول حتى الآن تتقارب مع واشنطن وتتوافق معها في مصالحها، خاصة بريطانيا التي "تسير في ذيل أو في ركب السياسة الأمريكية".

وأضاف: “بشكل عام لا توجد سياسة أو موقف أوروبي واحد فيما يتعلق بالاستقلالية عن السياسة الأمريكية تجاه القوى الأخرى، ولكن المساعي الفرنسي لعدم الانحياز وراء الموقف الأمريكي قديمة، وظهرت جليا في رفضها للغزو الأمريكي البريطاني للعراق 2003”.

واختتم: “وبالتالي الرئيس ماكرون هو امتداد للسياسة الفرنسية التي تسعى دائما إلى تحقيق الاستقلالية عن السياسة الأمريكية”، معقبا: “لكن لا أعتقد أن فرنسا قد تكون قادرة على حشد دعم أوروبي أو إيجاد كتلة أوروبية موحدة للاستقلالية عن التبيعية لواشطن بسبب التشابكات الأمنية والاقتصادية الكبيرة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.

من جانبه، قال أبو بكر دياب، الباحث في الشئون الاستراتيجية، إن الاتحاد الأوروبي يبدو للعالم أنه متفق، لكنه في الحقيقة يعاني خلافات حادة فيما بين الدول، مثل فرنسا التي لديها اعتبارات خاصة وتحاول قيادة الاتحاد الأوروبي، وألمانيا لديها توجهات مستقلة برزت في زيارة المستشار الألماني لبكين، حيث حاول الخروج عن تبعية المنظومة الأوروبية بطبيعة الحال.

الدكتور أحمد سيد أحمد

زيارة الرئيس ماكرون إلى الصين 

وأضاف دياب ـ في تصريحات خاصة له ـ أن هناك جانبا آخر يحكم تصريحات ماكرون الفترة الماضية، وهو تحالف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا "أوكس"، وهو تحالف قومي أنجلو ساكسوني ضد أفكار الاتحاد الأوروبي.

ولفت إلى أن فرنسا تضررت من هذا التحالف على مستويين، المستوى الأول هو إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية إلى أستراليا ونقلها إلى كندا، وظهر هذا في تصريحات فرنسا وقتها التي هاجمت أمريكا وبريطانيا، أيضا بيع أمريكا الغاز لأوروبا بأضعاف قيمته.

وذكر أن ماكرون يحاول الآن الرد على هذه الحالة من الانفصال الأمريكي عن أوروبا، وحاول أن يوصل هذا التصور للصين، ورد الرئيس الصيني أن بكين ستكون داعمة للاستقلال الأوروبي ليكون قطبا جديدا في عالم متعدد الأقطاب.

من جهته، هدد السيناتور الأمريكي الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو،  بترك أوروبا تتعامل مع الأزمة الأوكرانية بمفردها والتركيز على قضية تايوان.

جاء ذلك بعد كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد جر الاتحاد الأوروبي إلى الصراع على تايوان، حيث قال ماكرون عشية زيارته للصين إنه لا ينبغي أن "تجر أوروبا إلى المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن تايوان وموائمة (الإيقاع الأمريكي)"، حيث إنه على الأوروبيين، وفقا لماكرون، "الاستيقاظ" والتفكير بمصالحهم.

وتابع السيناتور الأمريكي أن واشنطن بحاجة إلى فهم من أدلى ماكرون بمثل هذا البيان نيابة عنهم، بمعنى هل "تحدث فقط باسم فرنسا، أم نيابة عن الاتحاد الأوروبي بأكمله، كقائد مؤثر في الكتلة؟".

وقال روبيو: "وبمناسبة الحديث عن عدم التورط في نزاعات أخرى، وليس في نزاعاتنا، نحتاج إلى سؤال أوروبا عما إذا كان (ماكرون) يتحدث نيابة عنها؟، لأننا الآن منخرطون بقوة في قضية أوكرانيا، وننفق الكثير من أموال دافعي الضرائب لدينا على (صراع) أوروبا، وقد أيدت هذا لأنني اعتقدت أن كوننا حلفاء فذلك يصب أيضا في مصلحة الولايات المتحدة"،

وتابع: "أما إذا كان هذا موقف حلفائنا، وعلى وجه الخصوص، إذا ما كان ماكرون يتحدث نيابة عن أوروبا بأكملها، وموقفهم هو عدم اختيار أي من الجانبين في الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في تايوان، فلربما لا ينبغي علينا أيضا أن ننحاز إلى أي طرف أيضا. وربما ينبغي أن نقول أيضا إننا سوف نركز على تايوان والتهديد من الصين، وعليكم أيها الرفاق في أوروبا أن تتعاملوا مع أوكرانيا بمفردكم".

واحتدم الصراع مؤخرا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بسبب مساندة الأخيرة لتايوان، وإصرارها على القيام بتصرفات تراها بكين استفزازية، كما حدث عند استقبال رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، لرئيسة تايوان قبل عدة أيام في كاليفورنيا.

ماكرون