تعد مصر بوابة اليونان للتواصل مع الدول الإفريقية، ومنفذا مهما لها والعكس، فأثينا بوابة رئيسية لمصر مع دول القارة الأوربية، والبلدان تمثلان جسراً لربط الشمال والجنوب.
وتتمتع مصر واليونان بعلاقات ثنائية متميزة، وتقارب في الرؤى تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية بشكل عام، ويرجع ذلك إلى عمق الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية والدبلوماسية بين البلدين إلى جانب وجود جالية يونانية كبيرة في مصر، وأخرى مصرية في اليونان.
5 ملفات تتصدر زيارة سامح شكري
وتحظى علاقات مصر واليونان، بخصوصية كبيرة، لا لأنها تضرب بجذورها في أعماق الحضارة الإنسانية فحسب، لكن كونها تمثل - على مدار عقود - نموذجًا للترابط والتعايش بين الثقافات والأديان والتعاون الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط.
والإرث التاريخي بين القاهرة وأثينا، الذي بدأ ما قبل الميلاد بنحو 300 عام، شهد تطورا كبيرا منذ القرن الثامن عشر ميلادية، وكان دافعا للدولتين في اتجاه تقارب الرؤى إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية بشكل عام، بفضل الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية بين البلدين، فضلا عن قدم العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي ترجع إلى عام 1833.
وشهدت العلاقات المصرية - اليونانية نقلة نوعية على مختلف الأصعدة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكم في مصر عام 2014، خاصة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية لتتوالى الزيارات الرئاسية والدبلوماسية بين البلدين، سواء بشكل ثنائي أو في إطار القمم الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص التي تستضيفها الدول الثلاث بالتناوب.
ودعما لهذه العلاقات والتقارب بين البلدين، يتوجه وزير الخارجية سامح شكري إلى العاصمة اليونانية أثينا، صباح اليوم الثلاثاء في زيارة تستهدف متابعة مسار العلاقات الثنائية بين البلدين والتشاور حول التطورات الإقليمية والدولية.
وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، في بيان صحفي الاثنين، إن الزيارة تتضمن لقاءات مهمة لوزير الخارجية مع كل من رئيس وزراء اليونان "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، ووزير الخارجية "نيكوس ديندياس"، لتناول سبل تعزيز التعاون الثنائي والتنسيق بين الدولتيّن في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن مواصلة التشاور السياسي حول القضايا الإقليمية والدولية المهمة.
وأضاف السفير أبو زيد، أن الوزير شكري، يلتقي خلال الزيارة أيضاً مع "ديميتري كوبيلوزيس"، رئيس اتحاد شركات كوبيلوزيس اليونانية للكهرباء لمتابعة التقدم المُحرَز في تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان، كما سيُجري حواراً تلفزيونياً مع محطة "Skai News"، إحدى أهم المحطات واسعة الانتشار في اليونان.
من جانبه التقى السفير عمر عامر، سفير مصر في أثينا، نيكوس دندياس وزير خارجية اليونان، حيث جرى خلال اللقاء التأكيد على أهمية العلاقات الإستراتيجية بين مصر واليونان، خاصة في ظل ما تشهده من تطور ملموس في مختلف المجالات.
كما اتفقا على أهمية تكثيف الجهود للعمل على توسيع نطاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين سياسياً واقتصادياً وتجارياً، واستشراف آفاق تعاون جديدة، خاصة في مجال مشروعات الطاقة والغاز والربط الكهربائي التي ستتيح الفرصة لمصر لنقل الطاقة من مصر إلى الدول الأوروبية عبر اليونان.
كما تناول اللقاء التطورات السياسية الدولية والإقليمية خاصة في منطقة شرق المتوسط وكذلك الشرق الأوسط، حيث تم التأكيد على أهمية الدور الذي تضطلع به كل من مصر واليونان لدعم الأمن والاستقرار الإقليمي، وكذا أهمية مواصلة التنسيق المشترك لتسوية النزاعات بالطرق السلمية.
مشروع الربط الكهربائي بين البلدين
من جانبه يضع التحالف المسؤول عن مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان بقدرة 3 جيجاواط "يبلغ حجم القدرات المزمع تبادلها عبر الربط المصري- اليوناني نحو 3000 ميجاواط يوميا"، اللمسات الأخيرة على الدراسات الفنية والمالية النهائية قبل اتخاذ قرار بشأن الاستثمار المالي، حسبما ذكرت صحيفة كاثيميريني اليونانية قبل عدة أسابيع.
يأتي ذلك- حسب تصريحات سابقة أدلى بها جون كاريداس، الرئيس التنفيذي لوحدة الطاقة المتجددة في كوبيلوزوس اليونانية المتخصصة في البنية التحتية، والتي تعمل مع سامارس جروب لوضع خطط للمشروع – بهذه التصريحات في مؤتمر في واشنطن.
وشهد المشروع تسارعا في أعمال تنفيذه العام الماضي مع تكثيف الاتحاد الأوروبي بحثه عن إمدادات طاقة جديدة بسبب أزمة الطاقة جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتقدمت شركة الطاقة المتجددة "إليكا" – وهي مشروع مشترك مملوك مناصفة بين كوبيلوزوس وسامارس جروب – بطلب إلى الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل، مع احتمال مساهمة بنك الاستثمار الأوروبي وعدد من البنوك اليونانية بنحو 3.5 مليار يورو في المشروع.
وتعمل مصر واليونان على اختيار استشاري لتنفيذ دراسات جدوى مشروع الربط الكهربائي بين البلدين الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، وسيتم الاختيار بين أكثر من 10 مكاتب استشارية، - بحسب 3 مصادر مطلعة.
وكانت مصر واليونان قد وقَّعتا مذكرة تفاهم في أكتوبر 2021؛ لبناء كابل كهربائي عملاق يربط بين البلدين، وهو أول اتفاق من نوعه يُوقَّع بين أوروبا وأفريقيا في جنوب شرق البحر المتوسط.
وتعاني أوروبا أزمة طاقة لم تشهدها منذ سنوات، بسبب نقص إمدادات الغاز جرّاء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقفزة أسعار الغاز، ما يدفع الأوروبيين للاتجاه إلى بدائل أخرى لتأمين إمدادات الكهرباء، منها التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، والربط الكهربائي مع دول أخرى.
وتضم قائمة المكاتب الاستشارية التي تتم المفاضلة بينها لاختيار أحدها: "EDF" الفرنسي، و"Elia Grid" الكندي، و"CESI" و"DNVGL" و"LAHMEYER" الألمانية، و"EBSI" الايرلندي، و4 مكاتب يونانية وبلجيكية وصينية وأميركية.
من جانبه كشف أحد المصادر المطلعة في تصريحات صحفية، أنَّ "اختيار الاستشاري هو الخطوة الأهم في المشروع، وبعد اكتمال الدراسة والتكلفة ودراسات الجدوى الفنية ومسار الكابلات، سيتم طرح المناقصات مناصفة بين مصر واليونان لاختيار الموردين لتنفيذ عملية الربط في البلدين".
وسينقل المشروع الطاقة النظيفة من مصر إلى أوروبا عبر اليونان، وستقوم أثينا باستخدام جزء من الطاقة في استخدامات صناعية، وتصدير الجزء الأكبر إلى الدول الأوروبية، وفقاً لما أوضحه مصدر آخر.
وبدأت مصر، التي تملك فائضاً في الكهرباء، محادثات في 2020 لبيع الطاقة إلى أوروبا، مستغلةً ميزتها التفضيلية لإنتاج طاقة متجددة رخيصة في مسعاها لتصبح مركزاً إقليمياً لتصدير الطاقة. وكانت تجري مناقشات مع اليونان وقبرص لبناء كابل تحت البحر يربط بين البلدان الثلاثة.
وتبلغ القدرات الكهربائية المنتجة لدى مصر يومياً نحو 58 ألف ميجاوات، بينما لا يتعدّى الاستهلاك اليومي 33 ألف ميجاوات.