قبل انطلاق آذان المغرب خلال أيام شهر رمضان المبارك، يتوافد مئات المصلين بمدينة قنا ، وبرفقتهم أبنائهم الصغار، حاملين مشروباتهم ووجباتهم، للإفطار فى ساحة مسجد السيد عبدالرحيم القنائى، كطقس يومى أو أسبوعى، للاستمتاع بروحانيات المسجد العتيق الذى يقصده آلاف المريدين من مختلف محافظات مصر، حيث تتعهده مديرية الأوقاف ومحبى آل البيت برعاية خاصة لا تحظى بها بقية المساجد، فروائح البخور النفيسة تفوح من كل أرجاء المسجد، ودروس علم لا تنقطع.
لحظات الاستمتاع بروحانيات مسجد عبدالرحيم القنائى، لا تنتهى بالأجواء الرمضانية التى يعيشها الأهالى خلال وقت الإفطار، فالكثير من أبناء قنا ينتظرون فى المسجد لحين أداء صلاة التراويح خلف أئمة المسجد، الذين يتم اختيارهم بعناية شديدة، لتولى مهمة الإمامة والخطابة بالمسجد التاريخى، الذى يعد أهم المزارات التاريخية بمحافظة قنا.
مسجد القنائى يتميز بقيمة تاريخية ودينية تمتد لعقود طويلة جعلت منه بوابة عبور رئيسة لمحافظة قنا، فلا يمكن لأى مسئول أو ضيف يأتى لـ قنا، دون أن يمر بمسجد السيد عبدالرحيم القنائى" أكبر و أشهر مساجد المحافظة"، فوفقًا لموقعه الجغرافى يتوسط المسجد مدينة قنا عاصمة المحافظة ويقع بجوار ميدان المحطة، حيث بوابة السفر الرئيسة للمحافظة.
مسجد عبدالرحيم القنائى، لا يقف دوره عند كونه مكانًا لأداء الصلوات، بل تجاوز هذا الأمر ليتحول إلى ملتقى فكرى و مزارًا تاريخيًا ضمن المزارات الهامه بمحافظة قنا، و ملتقى لرجال المصالحات، فقد شهدت أعمدته وجدرانه مصالحات تاريخية كانت سببًا فى حقن دماء الكثير من الأبرياء، بجانب استقباله ملايين الزوار من مختلف البقاع المصرية للمشاركة خلال فترة المولد التى تستمر لمدة 15 يوماً من بداية شهر شعبان.
قال محمد عبدالناصر" مدرس" تعودت منذ سنوات على الحضور إلى المسجد قبل آذان المغرب بساعة زمن، للإفطار فى ساحة المسجد و أداء صلاة المغرب، و الانتظار بعدها لأداء صلاة العشاء وبعدة التراويح، وسط أجواء روحانية لا تتوافر فى أى مسجد آخر، ولم يمنعنا عن هذا الاستمتاع إلا فترة كورونا التى توقفت فيها التجمعات بالمساجد كإجراءات احترازية لمواجهة هذا الوباء.
قال الشيخ أحمد أبوالوفا، مدير الدعوة بأوقاف قنا ، عبد الرحيم القناوي عالم دين وتفسير يرجع نسبه ومولده إلى دولة المغرب، اسمه السيد عبد الرحيم بن أحمد بن حجون وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد في الأول من شعبان سنة 521 هجريه 1127 ميلادية، و تلقى العلم في جامع ترغاي الكبير بالمغرب على يد والده و كبار العلماء وذاع صيته بعد إلقاءه دروس دينية وهو بعمر العشرين عاماً ، بعد إصرار من العلماء على استكمال طريق والده، وعقب وفاة والده الذى تأثر بشدة لوفاته، نصحه الأطباء بالابتعاد عن المكان، فتوجه إلى دمشق حيث أخواله هناك.
و تابع مدير الدعوة بأوقاف قنا ، ومنها إلى الحجاز لحج بيت الله الحرام، والتقى خلال وجوده بمكة المكرمة بالشيخ مجد الدين القشيري من أبناء مدينة قوص، والذى أصر على صحبته معه إلى مدينة قوص وبعد ثلاثة أيام رحل إلى مدينة قنا واستقر بها وذاع صيته من أهالى المدينة وما حولها، واعتمد العالم الراحل على نفسه فى تدبير نفقات معيشته فقد كان يعمل تاجرًا بجانب دوره فى توعية الناس بتعاليم الدين.
و أضاف مدير الدعوة بأوقاف قنا، السيد عبدالرحيم تم تعيينه شيخاً لقنا بقرار من الوالى آنذاك وأصبح من ذلك اليوم يسمى بالقنائى، وكان له مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها، إلى أن توفى يوم الثلاثاء19 صفر سنة 592هـجريه، الموافق 23 يناير 1196 ميلادية بعد صلاة الفجر عن عمر 71 عاما، قضى منها 41 عاماً في الصعيد، بعدها أقيم له أكبر مسجد وضريح بوسط مدينة قنا، والذى تحول فى الفترة الأخيرة إلى مزار يقصده آلاف المحبين والمريدين من كافة أنحاء الجمهورية.