الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود الهواري يكتب.. أنوار الفاتحة (7) يوم الدِّين

د. محمود الهواري
د. محمود الهواري

يوم الدِّين هو يومُ القيامة الَّذي لا يملك القضاءَ فيه إلَّا اللهُ وحده، ولا ينازعه فيه أحدٌ من خلقه، فيَدينُ الله العِبادَ فِيْهِ بِأعمالِهم، فَيُثيبُهُمْ عَلَى الخَيْراتِ ويُعاقِبُهُم على المَعاصِي والسَّيئاتِ.
وإنَّ التَّعبير بيوم الدِّين تنبيهٌ إلى معنى المداينة الَّتي تكون بين الله وعباده، وفيما بين العباد، وتكون بين العبد ونفسه.
وبالرَّغم من أنَّ الله مالك يوم الدِّين، إلَّا أنَّ مداينته للعباد ومحاسبته للخلائق يومئذٍ مبنيَّة على قواعدَ مستقرَّةٍ، لا تبديل فيها ولا تحريف. 
ومن قواعد يوم الدِّين أنَّ الله –عزَّ وجلَّ- لا يظلم عباده، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، ويقول: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، بل إنَّ الله يحاسب النَّاس على ما دقَّ من أعمالهم من خيرٍ أو شرٍّ، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾. 
وبالرَّغم من أنَّ لفظ «يوم الدِّين» يوحي بالمحاسبة والمعاتبة، إلَّا أنَّ هذا اليوم مملوء بالبشريات لأهل الطَّاعات، ومن هذه البشريات أنَّ الصَّالحين تُضاعف لهم الحسنات، فـمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، بل قد يتجاوز العطاء لأهل الخير فيصل إلى سبعمائة ضعف وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، بل إنَّ من البشريات أنَّ من الأعمال ما يكون ثوابه أعظم من العدِّ فلا يعلم ثوابه إلَّا الله، بل إنَّ من البشريات أن الله الكريم يبدِّل سيِّئاتِ بعض عباده حسناتٍ.
وأمَّا من ظلم وتجاوز فجزاء سيئةٍ بمثلها، وقد يعفو.
ومن قواعد يوم الدِّين أنَّ المجادلين يومئذٍ لا يقضي الله في أمرهم إلَّا بشهودٍ عدولٍ، لا يحرِّفون، ولا يزيِّفون، فهؤلاءِ المجادلون لا يرضون بغيرهم شهداء عليهم، فيقيم الله الحجَّة عليهم من جوارحهم، وعندئذٍ تنطقُ الجوارح فتكشف ما ستروه من أمرهم، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، ولقد ضحك رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَم- يومًا فَقَالَ لأصحابِه: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» فقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ».
إنَّ يوم الدِّين الَّذي يدين الله فيه عباده يوجب على العباد أن يدينوا أنفسهم في الدُّنيا، وأن يزنوا أعمالهم، وأن يراجعوا قلوبهم وجوارحهم، وأن يراجعوا علاقاتهم بعضهم مع بعض من قبل أن يأتي يوم الدِّين بما فيه من حسابٍ، وميزانٍ، وصحفٍ، وصراطٍ، وكان عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ –رضِي الله عنه- يقولُ: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا».