الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود الهواري يكتب: أنوار الفاتحة (5) الرَّحمن الرَّحيم

د. محمود الهواري
د. محمود الهواري

هذان اسمان عظيمان من أسماء الله الحسنى، وأنوارُهما أكثر من أن تحصى، وذلك أنَّ المتأمِّل لهذين الاسمين يرى من معانيهما، ومن آثارهما عجبًا.

وإنَّ القلب ليمتلئ روعةً وجلالًا حين يدرك أنَّ سورةً يأمر الله –سبحانه وتعالى- أن تُقرأ سبعَ عشرةَ مرَّةً في ركعات الفرائض -فضلًا عن النَّوافل- يقالُ فيها «الرَّحمن الرَّحيم» مرَّتين لتذكير العباد بالرَّحمة ومقتضياتها، ثمَّ يمتلئ القلب أسفًا أن نقرأ هذا الكلام في كلِّ ركعةٍ من صلواتنا فلا نفهم المراد منه، أو أن نفهم فلا نعمل به!
وقد امتلأت جنبات القرآن بهذين الاسمين مجتمعين أو مفترقين، وليس العجب من هذا؛ فإنَّ الله هو الرَّحمن الرَّحيم، ورسولُه –صلَّى الله عليه وسلَّم- رحمةٌ للعالمين، وكتاب الله رحمةٌ، وسنَّة نبيِّه رحمةٌ، ولكنَّ العجب أن تُعاد مفرداتُ الرَّحمة وتكرَّر في القرآن عشرات المرَّات، وكأنَّما الرَّحمة قوام هذا الدِّين، ثم يغفل النَّاس عن هذا كلِّه.


إنَّ الله –سبحانه وتعالى- يعلن أنَّ رحمتَه عامَّةٌ وشاملةٌ فيقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156]، ويفسِّر رسولُ الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- شمول الرَّحمة بقوله: «لَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدٌ» فما أعظمها من رحمة!
وفي دنيا النَّاس ألوانٌ من الرَّحمة تكون من الآباء لأولادهم، ومن الأصدقاء لأصدقائهم، ومن المعلِّمين لطلَّابهم، ومن الجيران لجيرانهم، وغير ذلك، فتخيَّل أنَّ كلَّ هذه الرَّحماتِ بين الخلق إنَّما هي آثارٌ لرحمةٍ واحدةٍ من رحمات الله، ثمَّ تَخيَّل مرَّةً أخرى أنَّ أضعاف هذه الرَّحمة يجعلها الله يوم القيامة للمؤمنين به، يقول النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّهِ مِائَةُ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ».


وقطعًا ليس هذا دعوةً للمعصية، وإنَّما هو دعوةٌ للعباد ليطمعوا في رحمة الله بعمل ما يستحقُّون به هذه الرَّحمة.
إنَّ من آثار رحمة الله بنا أن أرسل إلينا رسوله، وأنزل إلينا كتابه، فعصمنا بهما من الجهالة، وهدانا من الضَّلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما دلَّنا به على أنَّه ربُّنا ومولانا، وبرحمته أرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا.


وإذا كان الله هو الرَّحمن الرَّحيم فإنَّ المؤمن مأمورٌ بأن ينال نصيبَه من هذه الرَّحمة، ومن آثارها هذه الأخلاق العظيمة الَّتي حضَّ الله -سبحـانه- عباده على التَّخلُّق بها، حتَّى ضمن نبيُّنا رحمةَ ربِّنا للرُّحماءِ من أمَّته، يقول النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».
فمن أراد أن تنالَه رحمةُ الله فعليه أن يطيع الله ورسوله، وكلَّما كان العبد أطوع لله، كان أكثر استحقاقًا لرحمته، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران:132].