قبل ثلاثة عقود من الآن، كانت المطبعة لا ينقطع عنها الرواد، ما بين باحث يريد طباعة رسالته و مرشح يريد طباعة آلاف الأوراق الخاصة بالدعاية الانتخابية، لكن مع تطور الزمن واقتحام الكمبيوتر لكافة مجالات الحياة، تراجعت المطابع بآلاتها القديمة و أصبحت مجرد ديكور يزين أرجاء المكان، ومن ضمنها مطبعة بركات بمدينة قنا التى يزيد عمرها عن 80 عاماً والتى لم يعد يقصدها إلا الباحثين عن تغليف وتجليد كتب ومجلدات قديمة.
الرسائل الجامعية والكتب القديمة، تعد باب الأمل الوحيد المتبقى للمطابع القديمة، فلم تعد للماكينات العملاقة التى كانت تعتمد على صف وتجميع الحروف، أهمية فى الفترة الأخيرة، أمام ماكينات الأوفيست، التى تطبع مباشرة من الكمبيوتر، دون تدخل العنصر البشرى، الذى كان فيما مضى هو محور العمل و أبرز ما يميز مطبعة عن أخرى.
شهر رمضان ينعش تغليف المصاحف
حلول شهر رمضان المبارك، من كل عام، كان ومازال له دور عظيم فى إنعاش المطابع القديمة، حيث يتزايد إقبال الأهالى على تجليد و تغليف المصاحف و الكتب القديمة، للقراءة منها خلال أيام الشهر الفضيل، ما يجعل اقتراب أيام الشهر المبارك بمثابة موسم خير و إنقاذ لأصحاب المطابع، وخاصة المطابع التى اقتصر عملها على تغليف و تجليد الكتب القديمة فقط.
مطبعة "بركات" التى يديرها عبدالرحيم نورالدين، مثلما كانت ضمن المطابع التى تُعد على أصابع اليد الواحدة، بمحافظة قنا، وكانت مقصداً لأعضاء هيئة التدريس والشعراء والباحثين والمرشحين، خلال القرن الماضى، اختصت لنفسها بميزة لا توجد فى أى مطبعة أخرى، حيث يحرص صحبها على تغليف الرسائل الجامعية بالجلد، بخلاف بقية المطابع التى تعتمد على الورق فى التغليف، ما يجعلها مقصدا لأصحاب الرسائل الجامعية.
تعلمت الطباعة من والدى عام 1969
قال عبدالرحيم محمد نور الدين" 65 عاماً"، كنت أعمل بالأوقاف و تم إحالتى للمعاش فى 2018، لكن خلال فترة عملى بالحكومة، كنت أعمل مع والدى فى الطباعة بعد فترة العمل بداية من عام 1969، وكنت قبلها أتواجد بشكل دائم فى المطبعة مع والدى، مع جعلنى أكتسب خبرة مبكرة فى مجال صف وتجميع الحروف على الماكينات الروسية والألمانية، ورغم خبرتى الكبيرة فى مجال الطباعة، لكننى لم أكن أحبها كثيراً مقارنة بالتغليف والتجليد الذى أعشقه و أعمل فيه بحب.
و تابع نورالدين، المطابع لم تكن كما كانت من قبل، فالكثير هجر المطابع ولم يعد يرغب العمل فيها إلا من يحبها، كما أن الماكينات الحديثة المرتبطة بالكمبيوتر، لم تعد فى حاجة لعمالة كما كانت المطابع القديمة التى تحتاج لعدد كبير من العمال لصف الحروف و تجميعها و تقطيع وقص الورق بشكل يدوى، ما أدى إلى إغلاق الكثير من المطابع القديمة أو تغيير نمط العمل، لكى تستمر.
قنا كان بها مطبعة واحدة فقط
و استطرد نورالدين، فى نهاية القرن الماضى، لم تكن توجد فى محافظة قنا ، إلا مطبعة واحدة، وبعدها فتحت مطبعة أخرى وكان الكل يقصد المطبعة، لكن الآن الوضع مختلف، فقد ظهرت الكثير من المطابع الحديثة، أما المطابع القديمة مثلى فقد تحولنا إلى التغليف و التجليد، لضمان وجود عائد مادى يساعدنا على تلبية أعباء المعيشة المتزايدة.
الجلد يميزني بقية المطابع فى تغليف الرسائل الجامعية
و أضاف نورالدين، بعدما تراجع الإقبال على المطبعة قررت أن أكتفى بالتغليف والتجليد للرسائل الجامعية والكتب القديمة و المصاحف، كما قررت أن أستخدم جلد خالص فى تغليف الرسائل الجامعية سواء للماجستير أو الدكتوراه، وهو أمر غير موجود فى أى مطبعة أخرى على مستوى الجمهورية، حيث تعتمد المطابع على غلاف ورقى، ما يجعل الكثير من الباحثين يقصدوننى لتغليف رسائلهم، حتى تدوم معهم لسنوات طويلة، بعكس التغليف الورقى، التى تتعرض صفحاته للتلف بعد فترة قصيرة.
و أشار نورالدين، إلى أن المؤسسات الحكومية كانت تتعامل بشكل دائم معنا فى التغليف و التجليد، لكن مع قرارات ترشيد النفقات، تراجع تعاملنا مع المؤسسات الحكومية و اقتصر تعاملنا على الأفراد، ما يشير إلى أن المطابع القديمة إلى زوال واندثار خلال فترات قريبة، لافتاً إلى أنه لا يمكن أن يغلف أكثر من 4 كتب أو مصاحف على مدار اليوم، لاحتياج الأمر إلى دقة حتى يخرج الكتاب بكل جيد فى النهاية.