يُعرّف القرآن الكريم بأنّه كلام الله- عز وجل- المنزّل على النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-، وهو مقسم إلى سور ، ومهما عرفنا تلك السور أو حتى حفظناها عن ظهر قلب ستظل الكثير من الأسرار مخفية بكل آية وحرف، مثل سر سورة النحل ؛ حيث إن القرآن الكريم هو معجزة كل زمان ومكان، ومن ثم يأتي سر سورة النحل باعتباره من الخفايا التي لا يعرفها الكثيرون، ولعل معرفة سر سورة النحل يزيد الحرص عليها واغتنامها.
سر سورة النحل
ورد عن سر سورة النحل أنها وسبب تسميتها بسورة النحل؛ هو لأنّ لفظ النحل لم يُذكر إلا فيها، وذلك في قول الله -تعالى-: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)، كما أن لها اسم آخر وهو سورة النِّعَمِ: وذلك لأنّ الله -تعالى- ذكر فيها عدداً من نعمه التي أنعم بها وتفضل على عباده.
وتُعدُّ السورة السادسة عشر في ترتيب المُصحف الشريف، وأمّا ترتيبُها من حيث النُّزول فهي السورة التاسعة والستون، حيثُ أنّها نزلت بعد سورة الكهف، وقيل: أنّها نزلت في مكة المكرمة وذلك بعد نزول سورة الأنعام، وممّا يؤكّد نُزولها بعد سورة الأنعام هو ما ورد في موضعين اثنين فيها، ومن هذه المواضع؛ قول الله -تعالى-: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ)، وقد أجمع العُلماء على أنّ المُحرّمات المقصوصة عليهم وردت في سورة الأنعام في قول الله -تعالى-: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا).
وجاء في تفسير أبي السُعود قوله أنّها مكيّة إلى آية: (وإن عاقبتم) إلى آخر السورة، وهي آخرُ ثلاثِ آيات من السّورة، فقد نزلت في المدينة بعد انتهاء النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسّلام- من غزوة أُحد، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه-، وابن الزُّبير -رضي الله عنهُما-، وجاء عن قتادة وجابر بن زيد -رضي الله عنهما- أنّ أوّلها مكيّة، إلى الآية الواحدة والأربعين، وما تبقّى منها فهو مدنيّ.
واتّفق العُلماء على أنّ عدد آيات سورة النحل هو: مئة وثمانٍ وعُشرون آية، وأمّا عدد كلماتِها فهو: ألفين وثمان مئة وأربعون كلمة، وأمّا عدد حُروفها؛ فتبلُغ سبعةُ آلاف وسبعُ مئة وسبعةُ أحرف.
مناسبة سورة النحل لما قبلها وبعدها
وتُعدُّ سورة النحل من السّور المكيّة؛ أي أنها نزلت قبل الهجرة، وقبلها نزلت خمسةَ عشر سورة من القرآن الكريم، وهي من السور التي نزلت قبل سورة الكهف والإسراء، وكان قبلها في ترتيب المُصحف سورة الحِجر؛ والمُناسبةُ بينهُما أنّ سورة الحِجِر اختُتِمت بلزوم الاستمرار والثبات على عبادة الله -تعالى- حتى الموت، وافتُتِحت سورة النحل بأنّ ما وعده الله -تعالى- يأتي في وقته وحينه.
وأمّا السورة التي بعدها في ترتيب المُصحف فهي سورة الإسراء، وتأتي المُناسبةُ بينَهما من عدة وُجوه، وفيما ياتي بيانها: ذكر الله -تعالى- في سورة النحل قواعد الاستفادة من المخلوقات الأرضيّة، وفي سورة الإسراء ذكر قواعد الحياة الاجتماعيّة، كبرّ الوالدين، وتحريم الزّنا، وأكل مال اليتيم، وغير ذلك من الأمور.
و ذكر الله -تعالى- فيها أنّ القُرآن الكريم هو من عنده، وفي سورة الإسراء بيّن الهدف من نُزوله. ذكر الله -تعالى- في السّورتين النّعم الكثيرة التي أنعم بها على الإنسان. اختتمها الله -تعالى- بأمر نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على المُشركين وأذاهم، وفي بداية سورة الإسراء ذكر تشريفه ومكانته وعلو منزلته. ذكر الله -تعالى- في نهايتها: (إِنَّما جُعِلَ السَّبتُ عَلَى الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ)، وذكر في سورة الإسراء التّوراة وما شرّعه لبني إسرائيل في بداياتها، كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنه-.
فوائد سورة النحل
تناولت سورة النحل العديد من الفوائد، وبيانُها بِشكلٍ مُجملٍ كما يأتي:
- إنذار المُشركين بالعذاب، وإبطال شركهم، والرّد على شُبهاتِهِم، واختُتِمت بذكر نعم الله -تعالى- على المُشركين، وجُحودهم لها، واستحقاقهم العذاب بسبب هذا الجُحود .
- الإكثار من ذكر الأدلة على وحدانيّة الله -تعالى- وتفرُّدهِ بالأُلوهيّة، وإثبات نُبوّة النبيّ مُحمد -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وأنّ أُصولها جاءت على أُصول ملّة سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
- إثبات البعث والجزاء، وإثبات بُطلان عقائد الشّرك، وتذكيرهم بخلق السماوات والأرض وما فيهما.
- التّحذير من الارتداد عن الإسلام، والتّذكير بأُصول الشريعة؛ كالعدل والإحسان، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من الأُصول.
- الحديث عن يوم القيامة، وأنّه حقٌ لا ريب فيه، بالإضافة إلى الحديث عن نعم الله -تعالى- على الإنسان؛ كخلق السماوات والأرض، والاهتداء بِالنُّجوم، والأنعام، وغير ذلك من النَّعم.
- وأمّا الموضوعات التي تناولتها السورة بِشكلٍ مُفصّل، فهي كما يأتي: الآيات من (1-23)؛ تتحدث عن وحدانيّة الله -تعالى-، وإثبات ذلك من خلال الأدلّة، وكذلك الحديث عن إبطال الشّرك.
- الآيات من (24-34)؛ تتحدّث عن رد القُرآن الكريم على الشُّبهات التي يطرحها الكافرين عليه، وأنّهم سيحملون أوزارهم وأوزار الذين يُضلّونهم، وعاقبةُ مكرهم، ثُمّ ذكر المؤمنين، ومدح الله -تعالى- لهم، وأنّ جزاؤهم جناتُ عدنٍ تجري من تحتها الأنهار.
- الآيات من (38-42)؛ تتحدّث عن حقيقة البعث والنشور، وأن قول الكافرين بإنكارهما هو مجرّد كذب وافتراء.
- الآيات من (43-50)؛ تتحدّث عن إثبات حقيقة النُّبوة، وإبطال الشُّبهات حول إنكارها؛ بِحُجّة أنّ الأنبياء -صلوات الله عليهم- هم من البشر.
- الآيات من (51-100)؛ تتحدّث أيضاً عن إبطال الشّرك بأنواعه.
- الآيات من (101-111)؛ تتحدّث أيضاً عن الرّد على الكافرين وردّ شُبُهاتِهِم حول القُرآن الكريم.
- الآيات من (112-128)؛ تتحدّث عن سبب استحقاق الكافرين للعذاب، وأنّ ذلك كان بسبب كُفرهم بنعم الله -تعالى- عليهم، وذكر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، وإقامته للكعبة، وأمر النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- بأن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.