ارتبط شهر رمضان فى مصر بالدراما منذالسبعينيات وتميزت وازدهرت فى الثمانينيات ، و أصبح موسما سنويا لسرد التاريخ الإسلامي والسياسي والاجتماعى والثقافى والفنى وأصبح تأثيرها واضحا فى إعادة تشكيل وجدان ووعى المشاهدين، وأصبحت لها أهميتها كمنتج إعلامى معنى برصد الأحداث وتطوراتها وانعاكساتها على مجمل الحياة مما جعل بعض هذه الأعمال الدرامية وثيقة تاريخية ومستنداً مرئيا للتاريخ بكل أحداثه.
يقول أرسطو فى كتاب الشعر: «إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، ولكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغى أن تقع»، فهناك علاقة وثيقة بين التاريخ والدراما، حيث انها تعد مرآة الواقع تنعكس أحداثها عبر الشاشات ليراها المشاهدين.
الأمر الذى جعلها أحد أهم أسلحة معركة الوعى فى خلال فترة السبعينيات والثمانينيات استخدمت الدراما كسلاح قوى للتوعية المباشرة ضد العدو الصهيونى، وخلال فترة التسعينيات تم استخدامها كسلاح وعى ضد الاٍرهاب، وخلال السنوات الاخيرة كانت سلاح قوى ضمن معركة الوعى التى خاضتها الدولة المصرية ضد الاٍرهاب الأسود الناتج عن المؤامرة الكبرى التى مازالت تخوضها على كافة الجبهات، فعمل درامى واحد يساوي ألف كتاب، ليس الجميع يقرأ او يفضلون القراءة، ولكن الجميع يشاهد ويتابع ويتفاعل مع الأحداث المرئية وليست المقروءة .
كان لابد ان ينتبه الجميع لسلاح الدراما فى معركة الوعى لتشكيل فكر ووجدان الأجيال الصاعدة التى لم تعاصر الأحداث، فأغلب جيل الثمانينات والتسعينات لم يعاصروا الأحداث والحروب التى وقعت بيننا وبين العدو الصهيونى لكن خرج جليا جيل الثمانينات يحمل بداخله بغضا للعدو الصهيونى ولديه وعى وإدراك كامل لطبيعة العداء وتفصيله مما عزز من انتمائه لوطنه .
لكن خلال مسلسلات رمضان فى الفترة من 2011 حتى 2017 حملت فى طياتها قدرا كبيرا من السلبية والتسفيه والابتزال سواء على مستوى الموضوعات التى عززت منهج العنف والمخدرات والبلطجة وعقوق الآباء وقتلهم وخلط الدم بالصوفية بشكل مخل، بالاضافة الى البعد عن الواقع الاجتماعى والسياسي الذى يعيشه المشاهد فى الواقع لذلك انصرف الكثيرون عن مشاهدة مثل هذه الأعمال التى تشطح بخيال كاتب يعيش فى عالم خيالى يتوهمه لنفسه ويتمناه من داخله، فأهم شيء فى الحبكة الدرامية هى الواقعية وربط الواقع بالأحداث الدرامية فى سياق متصل ومتناسق يقتنع به المشاهد، وهذا ما حدث من عام 2017 حتى 2022 عندما تدخلت الدولة لوقف مهزلة الإفساد الأخلاقي من خلال الدراما التى رسخت اباحية كل الموبقات .
فكانت النتيجة مبهرة للغاية حيث اجتمعت الأسرة المصرية والعربية حول شاشات الدراما لمتابعة الأعمال التى وثقت لتاريخ حروب شرسة خاضتها مصر نيابة عن دول شقيقة كانت تدور أحداثها فى سيناء والصحراء الغربية وعلى حدودنا الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية للنيل من الدولة المصرية لضمان السيطرة على دول الشرق الأوسط لتنفيذ أكبر مؤامرة تاريخية .
فأصبحت الشعوب العربية مدركة طبيعة المؤامرة والحروب التى تخوضها الدولة المصرية على كافة الأصعدة بفضل الأعمال الدرامية التى وثقت ذلك وربطت بين الواقع والحبكة الدرامية .
مثل : كلبش بأجزائه الذى وثق معاناة رجال الشرطة وكم الادعاءات التى تتعرض لها تلك المؤسسة الوطنية ، الاختيار، هجمة مرتدة، حيث جاء مسلسل (الاختيار) مركزا على بطولات الشرطة المصرية المتمثلة فى جهاز الامن الوطنى والقوات الخاصة وربط التعاون بينهما وبين جيشنا المصري العظيم متمثلا فى المقاتلين على خط النار وجهاز المخابرات الحربية، فى مواجهة الجماعة الإرهابية، ووأد مخططهم الشيطاني، ووثق بشكل احترافى الأحداث كما وقعت دون حذف أو تزييف لواقع مرير وصعب عاصرناه ومازال راسخا فى ذاكرتنا بآلامه وأحزانه على شهدائنا الذين لولاهم ما كنا نعيش بأمن وسلام واستقرار وطمأنينة، وهذا فى ظل تأكيد واضح وصريح على الهوية المصرية.
وأبرز ما ميز هذا العمل الوطنى أنه أعاد الروح الوطنية من جديد فى عروق أمهات وأبناء وزوجات الشهداء الذين راحت أرواحهم فداء لهذا الوطن، وكشف الستار عن اعتصامى (رابعة والنهضة) المسلحين ، بفضل المزج السياق الدرامي و بين اللقطات الحية من قلب الأحداث فى شكل توثيقى اقنع المغيبين المنساقين خلف الجماعة الارهابية بأنها جماعة كاذبة ومخادعة كانت تريد النيل من مصر وشعبها . .
و جاء مسلسل (هجمة مرتدة) ليكشف عن بطولات خفية لرجال المخابرات المصرية فى الكشف عن جوانب المؤامرة الكبرى على مصر من خلال أجهزة استخبارات دولية، ومنظمات حقوق الإنسان التى توسعت فى عملها خلال الفترة من 2005 حتى 2014 والتى استقطبت الشباب المغيب خلال الفترة من 2006 حتى 2010 تحت زعم التغير للأفضل ليقوموا بعمليات التخريب من الداخل لسهولة اسقاط الدولة ، وتدريبهم داخل دول تفتت بفعل الثورات البرتقالية على التغير السلمى منهج الاعنف وهو منهج بعيد كل البعد عن هذا المسمى لانه كان منهج ينقسم لشقين الاول ادعاء السلمية و فى الوقت ذاته اتباع منهج العنف لتحقيق الهدف فى إطار خطة محكمة ومتكاملة الأركان لإسقاط الدولة المصرية وتنفيذ مخطط التقسيم الذى وضعه المستشرق الصهيونى (برنارد لويس) لتقسيم الدولة المصرية إلى ثلاث دويلات على أساس عرقى دينى تتناحر كل فئة مع اخرى تناحرا عرقيا تنتهى معه الدولة المصرية للأبد، مثلما يحدث فى العراق ولبنان .
أتمنى ان تحظى الدراما هذا الموسم الرمضاني بنفس الزخم الذى حظيت به خلال الأعوام السابقة اثناء عرض كلبش والاختيار وهجمة مرتدة .