الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد نجم يكتب.. مدفع الإفطار حكاية عشق

أحمد نجم
أحمد نجم

كنا صغارًا وأصبحنا كبارًا ولا نزال ننتظر سماع أجمل وأشهر جملة في الشهر الكريم، يفرح بها الصائمون وينتهي بها الشوق للطعام والشراب، "مدفع الإفطار إضرب "، حكاية عشق بينها وبين المصريين، هي عيدية كنا نتلقاها كل يوم بفرحة نسرع بها للارتواء ولإثبات الرغبة في أننا نملك إرادة وحرية الشراب وتناول الطعام بعد أن سمح بها الله سبحانه وتعالي من خلال حلول وقت الإفطار بتلك الجملة المحببة لنفوس المصريين في شهر رمضان.

اسم رمضان كان معروفًا في عصور الجاهلية، حيث جاء من كلمة رمض التي تعبر عن شدة الحر  وجاء التوافق مع طبيعة الشهر والصائم الذي يعاني شدة العطش والجوع، ويرمض الذنوب بما بعني محوها بالصوم والطاعة، وهناك رأي آخر يرى أن رمضان من الأشهر القمرية يمر بكل فصول السنة لذلك فكلمة رمضان تعبر عن شدة العطش وليس لها علاقة بشدة حرارة الشمس.

رمضان شهر روحاني جميل، يحمل أجمل النفحات من خلال تلك الروح الإيمانية والرغبة في التسامح بيننا، كما أن صلاتيّ الفجر والتراويح التي يحرص المسلمون على أدائهما باعتبارهما إحدى الشعائر الدينية، تسمو بالنفوس لمراحل عليا من الخشوع لله تعالى إضافة للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

ولمدفع الإفطار حكايات مختلفة لكن المؤكد أن مصر كانت أول من انطلق منها صوت المدفع، الذي استخدمه المصريون بعد ذلك دليلا على انتهاء وقت الصيام اليومي، وارتبط صوته بالثقافة المصرية ذات الجذور الشعبية، إضافة لوجود بعض المظاهر التراثية مثل: الفانوس ووضع الزينة في الشوارع وأيضًا شخصية المسحراتي والحكواتي ، وبعض الحلوى الشهيرة التي نتناولها بعد الإفطار ومنها الكنافة والقطايف ولهما عشق خاص في نفسي، وسوف نتاولها في مقالات تالية ..

ويروى عن وجود مدفع الإفطار ، أن والي مصر  عام 859  هجرية في العصر الإخشيدي ويدعى خوشقدم  وكان من المماليك تلقى مدفعا هدية من صاحب مصنع ألماني وأراد أن يجربه فأطلق طلقة منه وكان وقت أذان المغرب ، فاعتبرها المصريون دليلا على بدء وقت الإفطار أول يوم رمضان، وتوقف عمل المدفع بعد ذلك، وذهب لقصر الوالي خوشقدم شيوخ وكبار عائلات  القاهرة يقدمون له التهاني ويثنون علي فكرته ويطالبون باستمرارها ولم يجدوه والتقوا زوجته الحاجة فاطمة التي تبنت تنفيذ الفكرة وتم اعتمادها منذ هذا الناريخ، وسمي المدفع باسم مدفع فاطمة.

غير هذه الرواية نفاها لي المرحوم الدكتور عبد المقصود باشا  أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أثناء زيارتي له في منزله لتصوير إحدى الحلقات التليفزيونية لبرنامج كنت أقوم بإعداده.

وأكد لي أن المماليك لم يكن لديهم مدافع في معاركهم ودلل علي ذلك بأنهم انهزموا بقيادة السلطان قنصوه الغوري على يد  العثمانيين في موقعة مرج دابق بقيادة السلطان العثماني سليم الأول في الشام لأن العثمانيين استخدموا المدافع والبنادق . في الوقت الذي قام المماليك بإرسال رسالة للعثمانيين طلبوا منهم  القتال كما كان يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالسيوف . مما يدلل علي عدم إمتلاك المماليك لمدافع.

وحكي لي د. عبد المقصود  أن محمد علي باشا والي مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية في مصر من عام 1805 قام بشراء صفقة مدافع للجيش المصري من ألمانيا لتحديث الجيش وكان يتخذ من قلعة صلاح الدين الأيوبي مقرأ لحكمه واشرف بنفسه علي القيام بتجربة المدفع وتصادفت التجربة مع أذان المغرب في رمضان تماما فاعتبر المصريون أن هذه دلاله للإفطار . وتم الإتفاق علي الأخذ بها مرتين وقت الإفطار ووقت السحور .

 اارواية الثالثة عن مدفع الإفطار تروي أبان عهد الخديوي إسماعيل حيث إعتاد الجنود صيانة المدافع وأثناء قيام بعض الجنود تنظيف مدفع ، إنطلقت قذيفة منه إهتزت لها القاهرة، وكان ذلك أول أيام شهر رمضان في نفس وقت أذان المغرب . ظن المصريون أن الخديو أراد ابلاغهم موعد الإفطا ر.

 ووصلت التهاني الي إبنة الخديو إسماعيل وتدعي فاطمة وأعجبت بما حدث لتتدخل لدي والدها ويتم استخدام المدفع للإعلان عن موعد الإفطار و الإمساك في السحور.

واشتهر المدفع بعد ذلك بإسم مدفع فاطمة نسبة لإسم إبنه الخديو ، وانتقلت فكرته بعد ذلك لكثير من الدول العربية وإستمر العمل بمدفع الإفطار حتي توقف عام  1987 لأن هيئة الآثار خشبت  تأثير صوت المدفع على المباني الأثرية.

واستمر صوت المدفع يذاع في الراديو، تسجيل صوتي بعد ان توقف إطلاقه من القلعة حتي قرر وزير الداخلية الراحل اللواء أحمد رشدي عام 1983 إعادة  إطلاقه من  قلعة صلاح الدين الأيوبي  طوال رمضان في السحور والإفطار فعاد للمدفع بريقه إلا أن هيئة الآثار المصرية طلبت وقف إطلاقه من القلعة خوفًا على المنطقة الأثرية من الإهتزازات الناتجة.


و تم نقل المدفع لجبل المقطم و الإبقاء على مدفع في متحف الشرطة بالقلعة.

وبرغم وجود التكنولوجيا في حياتنا التي تعرفنا  بمواعيد الإفطار إلا أن الطرب الحقيقي للأذن المصرية تشتاق لسمع الصوت العاشق للجملة الشهيرة :  "مدفع الإفطااااار اِضرب ".