خرج الاقتصاد العالمي من عام 2022 وهو في وضع مضطرب، وذلك بفعل الأحداث الضخمة التي شهدها العالم خلال هذا العام، وخصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية التي تُرجِمَت أعباؤها ارتفاعاً بأسعار السلع الأساسية كالطاقة والغذاء، فضلاً عن الارتفاع الكبير في نسب التضخم، ولجوء المصارف المركزية إلى رفع مستويات الفائدة ما انعكس ارتفاعاً في معدلات الديون وانهياراً بأسواق الأسهم العالمية.
وفي ظل هذه البيئة الصعبة، لا يضع المستثمرون حول العالم آمالاً كبيرة في أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال العام الجديد 2023، فالمؤشرات الحالية تخبرنا أن هناك الكثير من المخاطر التي تتربص بالاقتصاد العالمي، أبرزها خطر "البجعة السوداء" الذي حذّر منه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبق آلان جرينسبان والذي يتجسد بوقوع المحظور من خلال قيام الصين بهجوم عسكرى على تايوان، وهو ما ستكون انعكاساته كارثية على العالم أجمع.
والبجعة السوداء هو مصطلح يعني وقوع أحداث لا يمكن التنبؤ بها، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008 أو الحرب بين روسيا وأوكرانيا في العام الماضي، والتي تنتهي بعواقب غير متوقعة وشديدة على الأسهم وفئات الأصول المالية الأخرى.
إن سيناريو "البجعة السوداء" المتمثل بهجوم عسكري صيني ضد تايوان، قد يكون سيناريو واقعي ووارد، ولكنه يحمل في طياته أثماناً باهظة جداً سيكون على الصين وعلى شعوب العالم تسديد كلفتها، وهذا السيناريو سيدخل العالم في أزمة اقتصادية كبيرة جداً قد تشبه أزمة عام 1929-1930 التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية.
فإن حدوث حرب جديدة في بؤرة آسيا، التي تعد منطقة مهمة جداً للاقتصاد العالمي، سيؤثر بشكل كبير على اقتصاديات العالم وينعكس انهيارات في بورصات وشركات كبيرة، والصين تواجه الآن تراجعاً اقتصادياً يؤثر على مواطنيها وعلى قوة الانتاج لديها، ومن هنا قد لا يكون حكيماً ان تُدخل نفسها في حرب تكون كلفتها باهظة عليها في المقام الأول.
فالعالم يواجه مخاطر من عدم قدرة الدول أو البنوك المركزية خصوصاً البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ، على الحد من نسب التضخم المرتفعة جداً، و الآليات التي اعتمدتها هذه البنوك برفع أسعار الفائدة، تعتبر من أهم الآليات للحد من التضخم، ولكن في حال ارتفعت أسعار النفط والغاز مرة اخرى، فقد تصبح هذه الآليات غير ناجحة ومن هنا يأتي القلق من عدم القدرة على السيطرة على التضخم.
فإن التوقعات من قبل بعض الخبراء تقول إن 2023 سيحمل تراجعاً في الاقتصاد الصيني والأوروبي والأمريكي وهي دول تشكل أهم وأكبر القوى الاقتصادية في العالم، و ذلك سيؤدي إلى كساد في آسيا وبشكل عام في العالم، حيث سيتأثر بذلك عشرات الآلف أو حتى الملايين من الاشخاص.
أتوقع إن العالم سيواجه في 2023 الكثير من المخاطر، أبرزها خطر انهيار النشاط الاقتصادي في الصين، وذلك مع انتشار عدوى كوفيد-19 بشكل سريع في البلاد، وعدم قدرة النظام الصحي هناك على استيعاب موجات الإصابة الواسعة، ما يعني تعثراً في إعادة فتح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وعدم تمكنه من العودة إلى سكة الانتاج الصحيحة.
واستمرار الغرب بدعم أوكرانيا بأسلحة نوعية، قد يدفع الجانب الروسي إلى اعتبار أن هناك حرب وجود يتم خوضها ضده، وهذا ما قد يدفعه إلى استخدام أسلحة محظورة تقلب الموازين على الأرض، وهذه الخطوة ستكون بمثابة صدمة كبيرة لأسواق العالم، وستشعل الأسعار من جديد وتنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي العالمي، خصوصاً انها ستستدعي ردة فعل غربية قوية، لا أحد يعلم ما قد تكون نتائجها.