لشهر رمضان روح عطرة تزهو بها النفس، وينشرح لها القلب و تزداد روح المودة، وتعلو فيه نفحات التآخي بين الجميع، لتعاظم الروح الإيمانية بين كل منا.
و أعتقد ان الصيام ليس امتناعا عن الطعام والشراب فقط . وإنما يجب ان يكون صياما للضمير الإنساني عن كل ما يؤذي الآخرين، وصيام النفس عن أهوائها الشيطانية التي تزيد من حالات الاحتقان بين البعض . صيام عن الكلمة المؤذية التي تنال من أعراض الآخرين .
ترجمة الصيام لابد أن تكون في أفعال إنسانية ملموسة وطيبة وليست عبادة مساجد وقراءة قرآن فقط للتظاهر بممارسة الشعائر الدينية . صيام الأفعال والأقوال والسلوك الغير مقبولة . صيام عفة اللسان و اليد و القلب . لان الشهر الكريم هو مدرسة إيمانية يشعر بها الصائم بالآخرين سواء جوعا أو فقرا ، فلابد أن تكون لنتيجة هذا الشعور مردود إيجابي علي المحتاج . و الإحتياج الإنساني لا ينحصر في الطعام و الشراب فقط ، لكنه يمتد للإحساس و المشاعر
و التراحم .
باسم الصيام ترتكب حماقات ترتبط بالرغبة و الجشع لدي البعض . ويتناسي بعضهم أن الله سبحانه وتعالي جعل الصيام أيضا امتناع عن الحرام . فلا يقبل الله صوما امتنع فيه الصائم عن الحلال ليفطر علي الحرام و بالحرام . إحساسك بمعاناة المواطن البسيط وتعاملك لتخفيف معاناته في الشهر الكريم والامتناع عن استغلاله وحسن معاملته هو صيام ضمير إنساني و إيماني يقبله ويحبه الله .
هناك أفعال غير مقبولة لدي البعض الذين يكون بيدهم إنجاز أعمال الآخرين ، فيبدو التراخي في أداء واجبات العمل وعدم الالتزام بالمواعيد بالإضافة إلي النرفزة وسوء التعامل بدعوي ان الموظف صائم . الصيام طاعة جميلة وتقرب لله بالعمل علي قضاء مصالح الآخرين و السعي و التباري في مساعدتهم . حينها تكون راحة للنفس وسعادة في القلب وصياما طاهرا .
انتصارك علي نفسك بأن يملأ قلبك التراحم نحو الآخرين وجبران خاطرهم هي تقوي إيمانية تمليها عليك الثوابت الدينية وليس ما تهواه نفسك بالسوء .
ولذلك جعل الله الصيام له هو يجزي به
لأنه يعلم ما في النفس من أهواء سيئة . فكم من صائم عن الطعام والشراب ظاهرأ يعلم الله وحده أنه غير صائم .
وصيام الضمير و النفس سر بين الله وعباده . يرتقي بالصائم لمنزلة أعلي بتزكية نفسه وجوارحه بروح الإيمان في الفعل قبل القول . فلا ينطق الإ الحق و لا يبغض و لا يثير الفتنة و لا يزكي الوقيعة ولا يغتاب الآخرين ولا ينهش أعراضهم بسوء الكلمة و شيطنة اللسان ولا تمتد يده للاعتداء علي الضعيف ولا فضح حياته .
صيام عن التباهي بمساعدة الآخرين جهرا . فيجب مراعاة المشاعر الإنسانية . التي تعتبر عبادة تتوافق مع الفطرة وتنسجم مع طبيعة الإنسان يقظ الضمير .
الصوم هو إعادة واستمرار لتربية للنفس الإنسانية التي يمكن أن تهفو في أوقات وشهور أخري لعدم الإخلاص في التعامل و انفلات في الضمير وعدم مراعاة حقوق وواجبات الآخر . ليتسم الصائم في هذا الشهر بالتقوي وهي نبراس المؤمن في حياته يفرق بها بين ما يغضب الله وما يجب أن يكون عليه . يفرق بها بين الخير والشر و بين الخبيث و الطيب ..
وتتحقق تقوي الصائم بتهذيب النفس التي خلقها الله تعالى لتبحث عن خالقها . فإذا ما اهتدت إليه إنشغلتْ بطاعته والتقرُّب إليه لترتاح وتطمئنّ . فتذكرة النفس بالثواب الذي أعده الله تعالى للطائعين في الجنّة وما فيها من النعيم وكثرة سماع العظات الدينية التي تُذكّرُ الإنسان بنعيم الجنّة هو تهذيب للنفس وارتداء لباس التقوي و السعي للعمل الصالح بضمير تقي .
أيضا تذكرة النفس بمردود من يخالف التعاليم الدينية التي لا تنهي فقط عن صيام الطعام والشراب وانما عن كل ما يغضب الله في الكلام و الأفعال وأن عقاب الآخرة نار جهنم وبئس المصير فكيف تلقي بنفسك في هذا المنزلق .
ومن ثوابت تهذيب النفس إتخاذ الرفاق الصالحين الذين يكونون عونأ في الطاعات و التقوي وتهذبب النفس ونقاء الضمير وعدم إستغلال وإستنزاف الآخر . صوما مقبولا عن الطعام والشراب بضمير إنساني يراعي الآخر هو أزكي واطهر للنفس .