الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ابدع شيئا

د. هادي التونسي -
د. هادي التونسي - طبيب وسفير سابق

حياة مزدحمة بمشاغلها، وأحيانًا بطوارئها و منغصاتها، و خاصة لو كنت من سكان المدن الكبري بازدحامها وضوضائها وارتجال مواعيدها و توتر قاطنيها، ناهيك عن تداعيات الازمات الاقتصادية و تلك الناتجة عن الأوبئة و الحروب الدولية. 


ربما تبدأ يومك متوقعا أن تنفذ جدول أولوياتك فتجد من الأمور الطارئة أو العقبات ما يشتت انتباهك و مزاجك و يستنفذ طاقتك، وتجدك تدور في حلقة من الضرورات التي تخالف ماكنت تريده، وبالكاد تنفذ جزءا من المطلوب، وتبقي محبطا من ذلك الوقت والجهد الضائع و تلك الآمال المؤجلة التحقق.

 

وإذا خرجت من قوقعة الاحتياج والتعلق بأهداف تريد ضمانها، واعتبرت من تكرار تلك المواقف راغبا نفساّ أكثر سكينة وفكرا أكثر حكمة وسلوكاّ أكثر إثماراّ، فربما تحتاج أن تكون أكثر تماشياّ مع واقع الحال، أكثر مرونة وتكيفا في تقبل المعوقات، أقل تعلقا بالرغبة في الضمان، وأكثر صبراّ ومثابرة حتي تحقق هدفك، بل وربما أكثر تخلياّ عما تعتبره هامآ لك، فالتذمر والعصبية والعناد والاحتجاج لن يسفر إلا عن إهدار الطاقة وزيادة الأمر سوءا. 


منافذ أخري قد تخرجك من تلك الدائرة المفرغة؛ رياضة أو تأمل أو صلاة أو وقت ترويح مع الأسرة و الأصدقاء أو تبصر بالنفس يجعلك تحول الإحباط الي درس ينمي ذاتك بزيادة المجهود أو تغيير الهدف أو مجاهدة النفس لتعلم الثبات الانفعالي و الصبر  وتمالك النفس، لكن ماذا عن تغيير توجهك الانفعالي بأن تختار الا تكون مفعولا به لإحباطات لا يمكن تجنبها الي ان تكون الطرف الفاعل الذي يختار أفكاره وانفعاله الإيجابي و مواقفه خارج الذات!  فربما تريد أن تستمع الي موسيقي تغير حالتك الانفعالية وتجدد طاقتك، أو تمارس هواية كالزراعة أو القراءة للتعلم الذاتي  أو حرفة يدوية تتقنها، وحبذا لو كانت الممارسة مبدعة.


لكل منا  أمر يجيده و مواهب كامنة فكرية أو يدوية، والإبداع يثمر نشوة و تحققا للذات بما  يفوق تأثير أي إحباط، ولو وقتيا، فالإبداع خلق ملهم للنفس والآخرين، إضافة تجدد الطاقة و تحيي الأمل، تشعرك أنك تتجدد و أنك قادر علي إسعاد نفسك بنفسك، وأنك تكتشف ما لم تعرفه عن قدراتك و مواهبك الكامنة، الابداع فرحة تعيد اليك تلقائية وانطلاق الطفل، و صفاء مشاعره، ابتسامته الكاملة و  لمعة عيونه، وإحساسه بجدارته و قدرته علي الإدهاش و الإبهار و التحرر، فهذه الحياة هي منحة موقوتة، وهي ما تصنعه منها، وفاء لما أنت مخلوق من أجله، و لما تريده منها. إبداعك هو ملجأك وطريقك لاكتشاف ذاتك و تفعيل مواهبك وإعمال إرادتك، لتضيف إلي دنياك ومجتمعك، وإلي قيمتك ومكانتك.

فابدع و لو كان الناتج خطوة علي بداية الطريق، فالسعادة هي الطريق و ليست الهدف.
د. هادي التونسي