الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كتف في كتف

نهال علام
نهال علام

وكأنه البارحة، ولكن الشوق يسكن بكل جارحة، الأيام طبعها المرور، ولكن القليل منها من ينعش ذاكرتك بالحبور، فما بالك بمن يهدي قلبك أيضاً السرور!

شيمته الفرح وعلى أعتاب لياليه يعلق الناس أمنياتهم بشفاء الجرح، ومع كل فجر يتجدد اليقين بأن مداد السماوات قادم ليربت على ما لون النفوس بالترح، ولا يمضي عنا وإلا قد غلف قلوبنا بما يجعلها تقاوم القرح.

رمضان شهر البهجة والأنوار، ذلك الضيف اللطيف الذي يأتي كالوليف ويرحل خفيف ظريف، نشتاقه بالرغم أنه لم يخلف موعداً منذ أن أصبح فريضة على المسلمين، وسنة محبة نتشاركها في مصرنا أجمعين بغض النظر على ما نتبعه من دين، فهو شهر للملتاعين ممن هزمتهم الحياة ففروا إليه هاربين، لياليه ملجأ الدعاء للمتأملين ودار الشكر للمنتصرين، وجميعنا نرجو الله ألا يخرجنا منه خائبين.

هو شهر الخيرات والذكريات، صلة الرحم ووصل الغائب، شهر التسامح والتقرب لله بالتغافل، فنترفع عن الغضب بالحلم فليست الغاية هي الامتناع عن الزاد والزواد دون تشذيب للأخلاق، ثلاثون ليلة حكمتهم ليست بالية فهي الأساس السليم لكل الأيام التالية، لنذهب إليها أكثر تقبلاً للشدائد ونتعلم الرضا في المصائب، ونختبر قدرتنا على الاستغناء عن كل ما هو غير صائب.

ولكن رمضان هذا العام قطعاً ليس ككل عام، وكل منا سيأخذ تلك العبارة على محمله، وما تهوى النفس وتجنح له، ولكن تلك العبارة حرفية تصف وجهي العملة بواقعية، فالوجه الأول يحمل الألم لتوقيت رمضان الذي يأتي في ذروة الغلاء المتزامن مع ظلال العناء الذي تعاني من اقتصاديات العالم إثر الحرب التي عصفت به قبل أن يتعافى من آثار الوباء، فهي أزمة تطيح برأس العقلاء لرأب صدعها، ومحاولات الحكماء لامتصاص تداعياتها.

أما الوجه الثاني هو وجه الأمل الذي أثبتت المجريات أنك لن تراه إلا في أم الحضارات مصر، فيأتي الشهر الكريم وسط ثورة مصرية خالصة قامت بسبب تداعيات الغلاء المهلكة فكانت ثورة الحب والكرم المنجية، لذا كانت مبادرة كتف في كتف لتوزيع مالايقل عن ٤ مليون كرتونة تكفي احتياجات خمس أشخاص لمدة شهر، أي أن هناك عشرين مليون مواطن سيكفيهم الله شر السؤال وذل الاحتياج وهي الفئة الأكثر احتياجاً والأشد عوزاً.. وذلك ليس بغريب عن شهامة المصريين، ولدى يقين أن رمضان هذا العام سيشهد أكبر مشاركة مجتمعية في مساهمات وجبات الافطار والسحور سواء عن طريق الجهود الفردية أو المؤسسات الخيرية، والأطباق الطائرة بين أبواب الجيران والأحباب في لياليه الهنية.

في وسط هذا العالم الذي يموج بالاضطراب، وذلك المواطن الأوروبي الغاضب، والمظاهرات التي تضرب معظم الدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا والمجر، ألمانيا وجورجيا وقبرص والبقية تأتي وإن كنا لا نأمل ذلك، فتلك الطاقة السلبية التي تفوح من إحدى البؤر إنما تبث سمومها في العالم أجمع، لذا لا نتمنى إلا سلاماً وهدوءاً وربيعاً حقيقياً وليس ما عانينا ويلاته وتراكمت على ظهورنا تبعاته عندما زارنا الربيع العربي.

خرج آلاف الأوروبيون في تلك المظاهرات المنددة وإن اختلفت أسبابها الشكلية إنما وقودها هو عدم استقرار الظروف الاقتصادية، بينما اصطف آلاف من شبابنا المتطوعين ليلقي عليهم رئيس الجمهورية التحية لمجهوداتهم المضنية لجل الخير ما يلف ويشكرهم لأنهم كتف في كتف، فهم الممثلون لما يزيد عن ثلث مليون زهرة في بساتين الشباب، وبينما تحتدم المواجهات الأوروبية بين المتظاهرين والشرطة، تفتح الأسر المصرية احضانها لاستقبال شرطتها التي تطرق الأبواب لتوصيل كراتين الخير لأهالينا في كل مكان، وإذا كان العالم يعلن التقشف ففي مصرنا لم يطلب منا إلا التعقل.

كنا أطفالاً ولم يكن يشغل بالنا إلا بكار وبوجي والقطايف الساخنة والفوانيس الملونة وربة الجمال شيريهان الساحرة وملكة البهجة نيللي المبهرة، ويخطف ألبابنا أسامة أنور عكاشة بما يقدمه لنا، وكان هذا هو ما يمثله رمضان لأرواحنا، أما اليوم وقد أصبحنا من أرباب الشعيرات البيضاء والذكريات الخضراء، ومع تغير عجلة الزمن ودائرة الأحداث واختلاف الاحتياجات إلا أننا دائماً نستمد القوة من حِكم الجدات وما نشأنا عليه من عادات، فمن جَبر يُجبر ومن سَتر يُستر ومن سعى لخير أبداً لن يُخذل، لذا لست قلقة على مصر من مطرقة الأحداث العالمية والصراعات الدولية، سننجو لأن التكافل ليس سمة أشخاص ولكنه شعار دولة، بذلت الكثير من الجهد لتنظيم العمل الخيري وذلك أول الطريق اللازم لحل المشكلة وهي معرفة أبعادها.

لذا سعت الدولة في تطبيق الرقمنة وذلك بتأسيس قاعدة بيانات للمواطنين في كل شبر بالدولة المصرية، ليصل الدعم والخير لمستحقيه بعدالة حقيقية، وكل الفضل في ذلك للمبادرة الرئاسية حياة كريمة التي غيرت شكل الحياة الإنسانية لأكثر من ستين مليون مواطن ظلوا مهمشين لعقود طويلة كانوا في طيها ظلال منسية، وتلك الجهود هي الخطوة الصحيحة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

ساعات قليلة ونستقبل رمضان بشوق المحبين وفرحة عودة الغائبين ودموع التائبين وابتسامات المستغفرين ووجل القلقين أن يحول بيننا وبين ثوابه آي تقصير نكن عنه غافلين، فمرحب شهر الصوم مرحب ودائماً وأبداً تعود لياليك بأمن وأمان، نلقاك ونحن غير منقوصين وبالرضا مغمورين ولا تجعل فراقك عنا إلا وقد كُتبت ببركة لياليك الاستجابة لأمنياتنا، ومسحت بفرحتك ما نعاني من جراحنا، كل عام ومصرنا وجميعنا وكل العالم من حولنا بخير أعاده الله على قلوبنا بالرحمة وعلى أسرنا بالستر والسعادة، ولأخلاقنا بالتمسك بنهج العطاء الغير منتهي، اللهم مداد من السلام والمحبة لذلك العالم الممتلئ بالغصة، ويكون دائماً بين الرمضانين قصة مليئة بالشغف وروح الشباب والفرحة.