هل تتخيل أن يكون انتاج فيلم واحد من أفلام هوليوود يكون سببا في كارثة بيئة، لدرجة أن يطلق عليه قاتل للبيئة، هذا هو ما توصلت إليه دراسة مناخية، وذلك بعد دراسة تأثير آليات إنتاج أفلام هوليوود على البئية عبر رصد دقيق لكافة مراحل الإنتاج السينمائي، وتحليل نتائج الرصد بشكل دقيق.
وخلصت الدراسة إلى أن فيلم هوليوود يعد قاتلا للبيئة في ظل الكثير من المظاهر السلبية المصاحبة لإنتاجه، حتى وصفه الباحثين المتخصصين في صناعة الأفلام بأنه "فيلم قاتل للمناخ"، وأنه يجب قبل توظيف السينما في نشر قضية المناخ، يجب أن يكون هناك آليات ملزمة لضمان وجود ما أسمه "إنتاج أخضر"، بحيث يكون خالى من الإضرار بالبيئة
البداية مع "خطوة بخطوة"
"خطوة بخطوة: حلول من أجل الاستدامة" هو اسم مجموعة من صانعي الأفلام الذين ناقشوا بالفعل الأفكار الأولية لإنتاج سينمائي أكثر استدامة، وكيف يمكن للسينما أن تكون مناصرة لقضية المناخ، وبعد قيام تلك المجموعة بالبحث في تلك المسألة ووضع دراسة وافية حولها، توصلوا إلى أن الاستدامة ومناصرة البيئة في صناعة السينما لها وجهان.
وكان من الطبيعي أن يكون الوجه الأول هو الحديث عن رواية القصص الخضراء، والتي تشير إلى استخدام القصص لنشر وتعزيز الوعي بالمشاكل البيئية والحلول، ولكن الواقع العملى لانتاج اللإلام الذي تم رصده في الدراسة، كشف أن هناك وجه آخر، وهو ضرورة أن يكون هناك ما أطلقوا عليه الإنتاج الأخضر، حيث يشير هذا المصطلح، إلى تطبيق الممارسات الصديقة للبيئة طوال عملية التصوير، من مرحلة ما قبل الإنتاج إلى ما بعد الإنتاج.
إنتاج مدمر للبيئة يخرج فيلم قاتل للمناخ
فيلم قاتل المناخ؟ .. نعم هذا ما انتهت إليه الدراسة، ووجهت انتقادات لاذعة لصناعة السينما بسبب توازن المناخ السيئ في عمليات الإنتاج، حيث يشمل هذا الإنتاج النفايات واستهلاك الطاقة واستخدام مواد مستدامة، فوفقا للدراسة، فإنه لا يزال أكبر استهلاك لثاني أكسيد الكربون في الإنتاج هو توليد الطاقة من مولدات الديزل، وتكاليف السفر والخدمات اللوجستية، والنفايات، وتقديم الطعام.
فعلى سبيل المثال، لا يزال من الشائع في العديد من إنتاجات هوليوود تزويد الممثلين بالماء من الزجاجات البلاستيكية، وقد لا يبدو هذا كثيرًا في البداية - لكنه ليس في مواجهة 50 إلى 100 شخص يستهلكون ست إلى عشر زجاجات يوميًا لعدة أشهر، وغالبًا ما يتم استخدام تصميم المجموعة وملابس الممثلين والدعائم التي تم شراؤها فقط للتصوير مرة واحدة ثم التخلص منها.
الفيلم الواحد ينبعث منه 500 طن ثاني أكسيد الكربون
وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2006، أن متوسط الفيلم ينبعث منه 500 طن من ثاني أكسيد الكربون، وهذا يتوافق مع استخدام 108 سيارة في عام واحد، فوفقًا لمعهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية في هامبورغ، تختفي ثلاثة أمتار مربعة من الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي للحصول على طن واحد من الكربون، وهو ما يعني أنه بالنسبة لفيلم هوليود كلاسيكي، تختفي 1500 متر مربع من الجليد - أي حوالي ثلاثة إلى أربعة ملاعب كرة قدم.
وأوصت الدراسة بضرورة أن يكون هناك بعد بيئى عند وضع خطط لإنتاج الأفلام داخل هوليوود، وأن يتم توفير بدائل إنتاجية تعمل على تقليل النفايات، وإستهلاك الوقود، والحد من أي مصادر تسبب في انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون المدمر للمناخ، والذي يساعد على زيادة الخلل بطقة الأوزون وما لذلك من تأثير على ارتفاع درجات الحرارة حول العالم.
ألمانيا تضع معايير إنتاج بيئية موحدة
ووفق ما جاء بتقرير صحيفة فوكس الألمانية، أن هناك الآن جهود أولية في ألمانيا لجعل الصناعة أكثر استدامة، ففي بداية مهرجان برلينالة، أعلنت وزيرة الدولة للثقافة والإعلام، كلوديا روث، وهي من حزب الخضر، عن قرار معايير الإنتاج البيئي الموحدة على مستوى البلاد للسينما والتلفزيون والإنتاج عبر الإنترنت في ألمانيا.
وقالت روث: "كان إنتاج الأفلام والإعلام في ألمانيا يقوم بعمل رائد في مجال حماية البيئة والمناخ لسنوات، وهذه القوة التقدمية تحتاج إلى أن تنتشر هيكليًا في جميع المجالات، ويجب نشر تلك الثقافة في الدول والمدن الأكثر كثافة في إنتاج الأفلام، مثل هوليوودن وبوليوود، وغيرها من البلدان الرائدة في صناعة السينما حول العالم.
"The Crown" و "Avatar" رواد للإنتاج الأخضر
وجاء بتقرير الصحيفة الألمانية، أن هناك طريقة أخرى في المستقبل للصناعة الخضراء، ويمكن لصانعي الأفلام والمنتجين استخدام أمثلة مثل "The Crown" أو "Avatar" كدليل على ذلك، حيث قرر طاقم The Crown بأكمله السفر بالقطار بدلاً من الطائرة، وقام جيمس كاميرون، مخرج "Avatar"، بتركيب نظام شمسي ميجاواط على سطح مراحل الصوت لتعويض استهلاك الطاقة للرسوم المتحركة الحاسوبية.
ولكن يبدوا أنه لم يقتنع الجميع بتلك المعايير، وتقول بيرجيت هايدسيك، رئيسة تحرير مجلة "Green Film Shooting": "يتم استخدام حاسبات مختلفة تستند إلى بيانات أساسية مختلفة لموازنة ثاني أكسيد الكربون في إنتاج الأفلام، ولا تكاد توجد أي شفافية هنا، وذلك مع إمكانية المقارنة محدودة، خاصة على المستوى الأوروبي".
التمويل دائمل عائقا أمام إصلاح البيئة
وأكبر مشكلة في تحقيق المعايير المستدامة الموحدة هي قضية المال، ومن نواح كثيرةن فمثلا هناك شركة لتأجير المعدات التي لديها مولد يعمل بالديزل منذ عقود قامت بشطبها منذ فترة طويلة ويمكن أن تؤجرها بسعر منخفض مماثل، من ناحية أخرى، يرتبط الاستثمار في نظام هجين أكثر صداقة للبيئة بمبلغ مليوني يتكون من ستة أرقام، ووهو ما ينعكس في ارتفاع سعر الإيجار.
وكما تقول هايدسيك، أن هذا يؤدي أحيانًا إلى ما يسمى بـ" مبدأ الدجاجة والبيضة "، فإذا كان السعر مرتفعًا جدًا بالنسبة للإنتاج، فلا يوجد طلب، وبدون طلب مقابل، لا يوجد عرض لأنه لا يمكن إطفاء الاستثمار، وهي المعادلة التي تبحث عن حل لتطبيق تلك المعايير.
أزمة تمويل السياحة لإنتاج الأفلام
وهناك مشكلة أخرى أمام الإنتاج الأخضر، وذلك وفق ما كشفه إنجو إيرليتش، مستشار الاستدامة في صناعة السينما والتلفزيون والمسرح، وهي ما يسمى بـ "تمويل السياحة"، والتي تنشأ عندما يتم تمويل أفلام الإنتاج من قبل عدة ولايات فيدرالية في نفس الوقت، فدائمًا ما يكون شرط دفع الأموال أن يتم تصوير جزء على الأقل من الفيلم في الدولة الفيدرالية الراعية.
ويكمل : "تعني تأثيرات الموقع الإقليمي، فعلى سبيل المثال، أن شركة إنتاج أفلام في بافاريا يمكنها تصوير مشاهد الفيلم في الغابة عمليًا على عتبة بابها، ولكن يتعين عليها السفر إلى برلين لإنفاق التمويل هناك، وكل الحاشية يجب أن تنهض مرة أخرى في رحلة - مع مولد الديزل الخاص بها".