رفض الأزهر الشريف، رفضًا قاطعًا الدعاوى التي تزعم تكوين كيان لدمج الديانات السماوية الثلاث، مؤكدا أن هذا الرفض لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان لتقديم العون والمساعدة للناس وتخفيف آلامهم وأحزانهم.
ووجه الأزهر الشريف، في بيان رسمي صادر عن الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية، رسالة شديدة اللهجة، لهؤلاء الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا عن طريق آخر يحققون به مصالحهم وينفذون به أجنداتهم بعيدًا عن قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية.
وأصدرت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، بيانًا ترد فيه على ما يثار من دعوات حول تكوين كيان عقدي يجمع الديانات السماوية الثلاثة في دينٍ واحد تحت مسمى “الديانة الإبراهيمية”، وما يرتبط بها من بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، بحجة أن ذلك يعد مدخلًا سريعًا للتعاون الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات في العالم.
وأكدت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، في البيان، أنه نظرًا لما تنطوي عليه تلك الدعوات من خطر على الدين والدنيا معًا، فإن مجمع البحوث الإسلامية يود أن يوضح للعالم ما يلي:
أولًا: إن اختلاف الناس في معتقداتهم وتوجهاتهم سنة كونية وفطرة طبيعية فطر الله الناس عليها، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118- 119]، وأنه لو شاء أن يخلقهم على شاكلة واحدة، أو لسان واحد أو عقيدة واحدة لخلقهم على هذا النحو، لكنه أراد ذلك الاختلاف ليكون أساسًا لحريتهم في اختيار عقيدتهم، قال تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].
وأضاف البيان أن حرية اختيار المعتقد، لا تمنع التواصل الإنساني مع أتباع الديانات الأخرى والتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان، لأنهم أهل كتب سماوية، والتعامل معهم على أساس العدل والاحترام المتبادل مما يدعو إليه الإسلام، ولا يجوز الخلط بين احترام عقائد الآخرين والإيمان بها، لأن ذلك الخلط سيؤدي إلى إفساد الأديان والتعدي على أثمن قيمة كفلها الله للإنسان، وهي حرية المعتقد، والتكامل الإنساني فيما بين البشر، ولهذا قال سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة: 48].
وأوضح أن الدعوة التي تطارد مسامع الناس اليوم بما يقال عن وحدة الأديان أو ما يسمى “الدين الإبراهيمي” سبق أن أثيرت من قبل، وحسم الأزهر الشريف أمرها وبيَّن خطورتها، وأنها لا تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه، ولا مع طبيعة الخلق وفطرتهم التي تقوم على الاختلاف في اللون والعرق وحرية العقيدة، كما أنها تُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما اتفق عليه إجماع علماء كل دين من الأديان وكل ملة من الملل.
وأشار إلى أن الأزهر الشريف يؤكد أن انفتاحه على المؤسسات الدينية داخل مصر وخارجها، إنما هو انفتاح غايته البحث عن المشتركات الإنسانية بين الأديان السماوية والتعلق بها لانتشال الإنسانية من أزماتها المعاصرة، ونزاعاتها المتناحرة حتى تستطيع مواجهة ما حاق بها من ظلم الغادرين وبغي الأقوياء، وغطرسة المتسلطين على المستضعفين، وحتى لا تقعد بها الصراعات العقدية والنزاعات الدينية عن الوصول لتحقيق غايتها الإنسانية النبيلة.