دائما ما يؤكد المتخصصون في مجال التعليم ضرورة الربط بين التعليم والبيئة المحلية للطلاب، بحيث يكون هناك أسس علمية تصل إلى كل طلاب الوطن، مع إعطاء خصوصية للتنوع المجتمعي داخل هذا الوطن، وهو يتم التأكيد عليه في مشاريع التنمية المستدامة للمجتمع، ولفهم هذا التوجه يكون أفضل وسيلة هي شرح نموذج لهذا النمط من التعليم.
وداخل ولاية ألاسكا الأمريكية، كان هناك نموذج جيد لهذا الربط، مع تعميم تجربة تربية سمك السالمون داخل مدارس الولاية، خصوصا مع معرفة أن هذا النوع من السمك له خصوصية مع سكان تلك الولاية، ويعد أحد أهم الوجبات الأساسية لعائلاتها، وهنا نرصد تلك القصة بتفاصيلها الكاملة، من مرحلة بيض السمك داخل المدارس، وصولا إلى وجوده داخل مياه النهر.
بداية الحكاية من داخل مدرسة كيني ليك
مدرسة كيني ليك في مدينة كوبر سنتر، بولاية ألاسكا الامريكية، هي مدرسة صغيرة، تضم حوالي 60 طالبًا من رياض الأطفال إلى كبار السن بالمدارس الثانوية، إنها أصغر في الشتاء عندما يقوم بعض الآباء بتعليم أطفالهم في المنزل بسبب القيادة الطويلة والطرق الزلقة، بداخلها جينيفر هودجز معلمة للصف الثالث والرابع والخامس، تقول إن فصلها المكون من ثلاثة صفوف يجلس فقط على مكاتب لمدة 20 دقيقة في اليوم، وباق اليوم الدراسي نقومون بالكثير من التعلم العملي، وأحد أفضل مشاريعنا في هذا التوجه، هو تربية السمك من نوع "سلمون كوهو"، بداية من البيض.
وفي حديثها مع صحيفةNPR الأمريكية، ذكرت جينيفر، أن ذلك يتم من خلال برنامج يسمىSalmon in the Classroom، أنشأه قسم ألاسكا للأسماك والألعاب، وذلك ضمن منهجية ربط التعليم بالمجتمع، وإعطاء خصوصية لكل ولاية في تقدم نماذج عملية داخل المدارس تكون مرتبطة بالمجتمع، وهو ما حدث هنا في ألاسكا.
قصة بيض السالمون .. 6 أشهر داخل الفصول
وهنا كان حديث الصحيفة الأمريكية مع كيت مورس، مديرة برنامج مشروع مستجمعات المياه في نهر النحاس، تفاصيل المشروع، خصوصا وأنها هي المسؤولة عن تنفيذ البرنامج في ست مدارس في جميع أنحاء مستجمعات المياه في نهر النحاس في ألاسكا.
وتقول كيت: "يضع سلمون كوهو البيض في الخريف، عندما تبدأ العديد من المدارس، ويبقى البيض داخل الفصول حوالي ستة أشهر قبل إطلاقه في البحيرات بعد ذلك، حيث تعيش تلك الأسماك لمدة تتراوح من سنتين إلى أربع سنوات قبل أن يتكاثروا ثم يموتون بعد ذلك بوقت قصير.
رحلة جينيفر مع الطلاب لمدة 45 دقيقة
وعن تفاصيل اليوم الدراسي تقول المدرسة جينيفر، إنه كل يوم، يستقل حوالي ثلث الطلاب الحافلة 45 دقيقة من قرية تشيتينا الأصلية، حيث يتمتع العديد من الطلاب بالفعل بخبرة في صيد سمك السلمون، وهو عنصر أساسي في مجتمعات ألاسكا الأصلية، وأضافت: "إنه توازن دقيق حقًا لأننا نتعامل مع تقاليد وثقافة السكان الأصليين، فهذه أرضهم، وهذا سمك السلمون الخاص بهم، لذا علينا حقًا أن نكون جزءًا من ذلك".
وتابعت: "لقد تحول السلمون من مجرد سمكة يصطادونها ليأكلوا في الفناء الخلفي لمنزلهم، إلى صيد يرتبطون به، فمع هذا المشروع، لديهم منظور مختلف تمامًا لأنهم يعرفون ما يتطلبه الأمر بالفعل للمرور عبر مراحل السلمون، فهنا يتعلم الطلاب عن مستجمعات المياه في نهر النحاس في رحلة السلمون الميدانية".
ليست تربية سمك فقط.. هذا ما يتعلمه الطلاب بتلك التجربة
ولا يقتصر الأمر على فكرة تجربة لتربية السمك فقط، فيعد التعرف على تغير المناخ أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، ففي عام 2022، سجل القطب الشمالي سادس أكثر الأعوام دفئًا على الإطلاق، وبالفعل يتم استغلال تلك الدروس لتقديم نماذج عملية عن المواد العليمة، وبالفعل هذه الدروس أصبحت ملموسة بالنسبة لهم في تربية السلمون الذي يتطلب الماء البارد للبقاء على قيد الحياة.
تقول جينيفر: "كان لدينا عطل في معداتنا مما أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة بنحو خمس درجات، ومجرد تسخينه إلى هذا الحد قد قضى على بيض السمك بالكامل، وهنك درس آخر وهو مراقبة كيف يمكن أن تكون الملوثات قاتلة لموائل السلمون، حيث يمارس الطلاب كتاباتهم من خلال مراقبة السلمون، فخلال الأشهر التي يكون فيها السلمون في الفصل الدراسي، يحب الطلاب الجلوس بجوار الخزان للمراقبة".
هكذا يروي الطلاب تجربتهم.. مفيد أيضا في تعلم الرياضيات
وعن تلك التجربة، تقول آدي، وهي طالبة: "عندما يفقس البيض يكون لديهم أكياس تحمل طعامهم، وبهذه الطريقة يمكنهم الاختباء بلا حراك وليس عليهم البحث عن الطعام، إنه أمر مضحك لأنهم عندما يحاولون السباحة ينتهي بهم الأمر في دوائر، هذا بالطبع، هو صفار البيض - كيس صغير من الطعام يظهر مع سمك السلمون الصغير".
وتكمل آدي حديثها: "هناك طريقة أكثر لتعلم الرياضيات والكتابة وتقدير الهواء الطلق في ذات الوقت، فنحن نحب حساب متى سيتحول السلمون من البيض إلى خروج السمك من داخلها، وذلك بناءً على درجة حرارة الخزان، وبالنسبة لنا، لا يتعلق الأمر بممارسة مسائل الرياضيات بحتة، ولكنها تعلم عبر التنبؤ بالمستقبل".
وهنا يكمل ليام، أحد الطلاب: "نحن دائمًا نخمن متى ستفقس من بيضها أولاً، ويتطلب الأمر الرياضيات لأنه يجب عليك تتبع درجة حرارتهم وإضافة وحداتATU الخاصة بهم، فأنا جيد في الرياضيات لذلك عادةً ما أفهمها بشكل صحيح."
متعة الدراسة.. السمك في المياة أهم حدث بعيون الطلاب
ويصف تقرير الصحيفة الأمريكية تلك التجربة، حيث ذكرت أنه نظرًا لأن المعلمة طلابها يعيشون في منطقة ريفية كهذه، لذلك فليس هناك الكثير من الرحلات الميدانية، ولكن في كل عام في شهر مايو، تأخذ طلابها في رحلة السلمون الميدانية، حيث يمكنهم إطلاق سمك السلمون الذي قاموا بتربيته في الفصل، حيث يقومون بتسمية السمكة، ثم يطلقونها في البرية، ولن يروها مرة أخرى، لكن هذا ليس حزينًا: إنه أهم حدث في بالعام في عيون الطلبة.
يقول فيشر، طالب: "أفضل جزء هو إطلاقها بعد مشاهدتها وهي تفقس من البيض، وتنمو لتصبح زريعة وتعتني بها، وعليك أن تقول وداعا، فنحن نضع السلمون في دلو ونثبته بحزام الأمان، حيث نرتدي ملابس خوض في الصدر، بدلات مطاطية لإبقائنا جافين عندما نذهب إلى البحيرات، ثم يحصل كل واحد منا على كوب من حوالي عشرة أسماك، وضع الكأس تحت الماء ونرك الأسماك تسبح".
ويختم حديثه ذاكرا: "ذهبت لإطلاق سراحهم العام الماضي وما زالت البحيرة مغطاة جزئيًا بالجليد، لقد وقعت فيها حيث كان الجو باردًا".. لكنه كان لا يزال مضحكًا وهو يروي ما حدث معه.