يبدوا أن الأزمات داخل أوروبا زادت في الفترة الأخيرة، ففي الوقت الذي تحاول فيه دول الاتحاد الأوروبي التوحد في مواجهة المعكرة مع روسيا، اشتعلت حربا اقتصادية بين تلك الدول، وذلك مع الإجراءات الجديدة المنتظر إقرارها، والخاصة بصناعة السيارات، وبالفعل انقسمت الدول الأوروبية حول تلك القرارات إلى فريقين، الأول هو الفريق الذي تقوده الحكومة الألمانية، جنبًا إلى جنب مع حلفائها إيطاليا وبولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك، في مواجهة فرنسا ومعها إسبانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك وأيرلندا وهولندا.
ونظرا لسخونة الصراع بين الفريقين، والتصريحات النارية من مسئولي تلك الدول، وصفت صحيفة بولوتيكو الأمريكية الصراع بأنه حرب أهلية داخل أوروبا، في ظل استخدام المسئولين بكلا الطرفين، لألفاظ "سنقاتل – لن نستسلم"، ووصف الأزمة بأنها معركة، وهنا نرصد تفاصيل تلك الأزمة وأسبابها.
دول المحور الألماني يشعل سخونة المعركة
في أحدث تطورات لتلك الأزمة، قام دول المحور الألماني، والمؤيد له من الدول الصديقة للسيارات التقليدية، برفع درجة الحرارة في معركة ضد تشريعات الاتحاد الأوروبي التي من شأنها أن تسلم المحرك التقليدي الحالي إلى القمامة كجزء من جهود تاريخية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من وسائل النقل.
وبعد اجتماع في ستراسبورغ بداية هذا الأسبوع، قال وزراء بارزون من عصابة من الدول المحبة للسيارات، إن القواعد التي تنهي بيع السيارات والشاحنات ذات محركات الاحتراق الجديدة بحلول عام 2035، تحتاج إلى تغييرات كبيرة، وهي القواعد التي وافق عليها بالفعل البرلمان الأوروبي ووافقت عليها الدول الأعضاء من حيث المبدأ، وفي موقف حاسم للأمر، قال وزير النقل الألماني فولكر ويسينغ بعد الاجتماع: "لا يوجد اقتراح للمفوضية الأوروبية يتوافق مع ما نتوقعه، ولهذا السبب لم نصل بعد إلى هدفنا".
التحالف الفرنسي لا يخطط للاستسلام
ولكن في المقابل ترفض دول التحالف الفرنسي الاستسلام، فقد أشارت باريس إلى أنها ستقف وراء خطة الاتحاد الأوروبي للانبعاثات الصفرية لعام 2035، كما فعلت مدريد، حيث وضعت دولتين من أكبر دول الكتلة للسيارات جنبًا إلى جنب مع مجموعة من الدول الأصغر الملتزمة بالفعل بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من سيارات الركاب.
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير لفرانس إنفو، قبل اجتماع ستراسبورغ: "نحن مستعدون للقتال من أجل ذلك، لأن تأخير هذا خطأ بيئي وأعتقد أيضًا أنه خطأ اقتصادي". حضر الوزير الفرنسي.
هل يكون الوقود الإلكتروني حلا
في الزاوية المقابلة، تضغط الحكومة الألمانية، جنبًا إلى جنب مع حلفائها إيطاليا وبولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك، وذلك من أجل إيجاد ثغرة في السيارات الحالية لتطبيق العمل بالوقود الإلكتروني، وهو بديل اصطناعي وأكثر مراعاة للبيئة إلى حد ما للوقود الأحفوري، وفي نقس الوقت تستخدم في محركات الاحتراق التقليدية الحالية.
ولا يهتم الجميع بالوقود الإلكتروني بقدر اهتمام الألمان، وذلك وفق ما قاله مارتن كوبكا، وزير النقل التشيكي الذي عقد قمة تحالف المحركات في ستراسبورغ، ويمتلك المحور الألماني وزنًا كافيًا للاعتراض على التشريع الجديد، وكذلك الاعتراض جنبًا إلى جنب على قوانين مستقبلية منفصلة تغطي ملوثات العادم السامة التي يطلق عليها اسم Euro 7 بالإضافة إلى قواعد كفاءة وقود الشاحنات.
ضغوط داخلية أمام ألمانيا
والواقع الحالي، أن ألمانيا رفضت بالفعل المحاولة الأولى لبروكسل للتوصل إلى هدنة عام 2035، حيث كانت المفوضية على استعداد لاقتراح إعلان قانوني من شأنه أن يشدد اللغة غير الملزمة على هوامش نص معايير السيارة 2035 المتفق عليها، ولكن هذا ينفذ مع اعتراض برلين، خصوصا في ظل سيطرة الحزب الديمقراطي الحر الذي يتزعمه ويسينغ على وزارة النقل.
وتشعر ألمانيا بضغوط داخلية، حيث تواجه مشكلة سياسية قوية من خلال استغلال المخاوف بشأن التغيير المؤلم الذي سيصاحب الانتقال إلى السيارات الكهربائية، وهو أمر سيكون بمثابة ناقوس موت لمئات الشركات المتخصصة في مكونات محركات الاحتراق ولكن ليس لها مكان في عالم السيارات الكهربائية.
مفوضية الاتحاد الأوروبي في مأزق
وما يزيد الأزمة تعقيدا، أن مفوضية الاتحاد الأوروبي ليس أمامها مجال كبير للمناورة لإيجاد اتفاق، حيث أغلق الطريق أمامه لتلك المناورة منذ أن قال البرلمان الأوروبي إنه لن يعيد فتح النص النهائي المتفق عليه العام الماضي، فلا يوجد سوى القليل من الوقت للعمل قبل انتهاء التقويم التشريعي للاتحاد الأوروبي بالانتخابات الأوروبية العام المقبل.
وقال ويسينج: "لا يمكننا أن ندع أنفسنا نتعرض لضغوط زمنية أيضًا، لأننا لم نكن نحن من ترك الأمر مفتوحًا لأشهر، حيث أنه كان ينبغي على المفوضية إصلاح المشكلة في الصيف الماضي"، ورفض ويسينج مقترحات إنشاء مجموعة عمل لتقييم الخيارات الخاصة بالوقود الإلكتروني والموافقة على إعادة النظر في القانون ومراجعته في عام 2026، كما هو معتاد في تشريعات الاتحاد الأوروبي، قائلا : "إنهم لا يحققون ما نحتاجه".
قانون جديد مخرج للأزمة
وتبحث ألمانيا عن تشريع منفصل، يغطي الوقود الإلكتروني من شأنه تجاوز معايير كفاءة السيارات الجديدة، ولكن هذا سيستغرق وقتًا في الصياغة وليس هناك ما يضمن الموافقة عليه من قبل البرلمان والدول الأخرى على أي حال.
وقال الوزير التشيكي كوبكا إن الوزراء المهتمين بالمحركات واثقون من إمكانية التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة مع المفوضية، بما في ذلك "إعفاء ملزم قانونًا بطرق أخرى، وليس إعادة فتح التشريع".
فرنسا غير مستعدة للتخلي عن مكاسب تمت في عامين
لكن فرنسا ليست مهتمة بتغيير الإجراء الذي تم الاتفاق عليه على مدار ما يقرب من عامين من المحادثات المضنية، والتي تم الانتهاء منها بين دول الاتحاد الأوروبي خلال رئاسة فرنسا للمجلس الأوروبي العام الماضي، وتحتاج فقط إلى ختم رسمي بموافقة الوزراء ليصبح قانونًا.
وقال لو مير عن جهود المماطلة: "من الناحية الاقتصادية، إنه غير متماسك، إنه خطير صناعيًا، إنه ليس في مصلحتنا الوطنية، إنه ليس في مصلحة المصنعين الوطنيين، وفوق كل شيء ليس في مصلحة الكوكب"، ويقف مع فرنسا الدول الأخرى التي تدعم هدف السيارات النظيفة لعام 2035، مثل إسبانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك وأيرلندا وهولندا.
صراع على زعامة أوروبا
وربما ما يزيد الخلاف، هو الصراع السياسي على زعامة أوروبا بين ألمانيا وفرنسا، وقال دبلوماسي من دولة مؤيدًا لحظر المحرك: "بالنسبة للفرنسيين، يمثل هذا الموقف أيضًا فرصة، فكلما زادت قدرتهم على المساهمة في فكرة أن ألمانيا تعمل بمفردها، كلما عززت وجهة النظر القائلة بأن الألمان شريك لا يمكن الاعتماد عليه في أوروبا."
وبدلاً من حماية التكنولوجيا القديمة، يريد Le Maire من مصنعي السيارات في أوروبا التحول سريعًا إلى السيارات الكهربائية ودعم برامج الدعم الحكومية الضخمة في فرنسا للمركبات الكهربائية، وذلك فضلاً عن جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى ضخ المليارات في إنشاء صناعة خلايا بطاريات محلية، حيث تقوم إسبانيا بتحركات مماثلة لإعادة البطاريات.