الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التصالح السعودي الإيراني.. دلالات ونتائج

أحمد نجم
أحمد نجم

لا تزال ردود الفعل العالمية حول عودة العلاقات بين السعودية وإيران تزداد نبرتها الإعلامية في الوقت الذي اهتم الإعلام الأمريكي بالدلالات وتحليل النتائج المترتبة في ظل تصاعد الدور الصيني في رأب الصداعات في الشرق الأوسط في رسالة مباشرة لأمريكا، بالتأكيد على إمكانية لعب دور سياسي محوري ومؤثر في الشرق الاوسط بعد نمو  العلاقات الاقتصادية.

وجاءت الرعاية الصينية للتصالح بعد فشل الإدارات الأمريكية من قبل إبان حقبتي رئاسة باراك أوباما ودونالد ترامب لأمريكا لتثبت التناغم والتطور في تعاظم الدور السياسي الصيني لصد تصاعد التوتر الطائفي في المنطقة، وعدم التدخل في شئون دول أخرى.

وتعود الخلافات بين السعودية وإيران لسنوات مضت تعدد فيها قطع العلاقات ثم عودتها، ففي عام  1943 تم قطع العلاقات عقب إعدام السعودية أحد الحجاج الإيرانيين الذي تبين ضلوعه في أعمال مخالفة للقوانين السعودية، وما لبثت ان عادت بعد عدة سنوات، ثم قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 1987 بعد مصرع أكثر من 400 حاج أغلبهم إيرانيون، نتيجة الأعمال التخريبية التي قام بها الحجاج الإيرانيون وقطعهم الطرق وإشعال النيران في وسائل نقل الحجاج للسعودية، واستخدام السلاح الأبيض في أعمال القتل أثناء أداء الحجاج فريضة الحج في منى، وهي الحادثة التي أطلق عليها “أحداث مكة”.

وبعد أربع سنوات، عادت العلاقات مرة أخرى، لتقوم السعودية مجدداً في عام 2016 بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد الاعتداء الوحشي على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، لتعود على طاولة مفاوضات الصلح الصينية، ويتم إعادة العلاقات باتفاق مُعلن في 10 مارس الحالي في العاصمة الصينية بكين، خلال خمسة أيام، هي عمر المفاوضات التي كللت بالنجاح والتوافق، كانت برعاية مباشرة من الرئيس الصيني شى جين بينج، وحضور الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والدكتور مساعد بن محمد العيبان، مستشار الأمن الوطني السعودي.

ومن بين كواليس الاتفاق هو الرعاية الروسية عبر الصين للمفاوضات والدعم لإيران لإتمام التصالح، بينما كانت أمريكا حاضرة عبر السعودية. 

وكان الاتفاق الذي نص على أن يعقد وزيرا خارجية البلدين اجتماعًا لمتابعة التنفيذ بعد تبادل السفراء وتعزيز الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين عام 2001، بجانب تدعيم الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية وتبادل الخبرات، وأيضا الاحترام المتبادل لمصالح البلدين، وإعادة فتح السفارتين، وهو نجاح كبير للدبلوماسية الصينية، وتغيير كبير في خريطة المنطقة.

والمصالحة السعودية الإيرانية ربما يكون لها صدى إيجابي في دعم مسيرة الاستقرار في سوريا ولبنان والعراق، وهو ما أكده الزعيم الشيعي اللبناني حسن نصر الله في تعليقه، وأكد أن توقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية سوف يفتح آفاقا جديدة مستقرة في المنطقة، خاصة لبنان وسوريا.

ولأن البلدين هما أقوى دولتين في الخليج، فهما على تناقض سياسي في بعض الملفات، ومنها الملف اليمني، فالسعودية تؤيد وتدعم الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما إيران تدعم المتمردين الحوثيين في الشمال، خاصة صنعاء.

من إيجابيات التصالح أيضا، أن إيران سوف تستفيد من عدم عزلها بعد التقارب والتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، والتي قامت المعارضة هناك بتوجيه انتقادات لاذعة لحكومة بنيامين نتنياهو  عقب المصالحة السعودية الإيرانية، بدعوى أن الاتفاق يعتبر خطرًا على السياسة الإسرائيليّة، في إشارة لفشل حكومة إسرائيل في ضمّ السعودية إلى اتفاقيات إبراهام الموقعة مع الإمارات والبحرين، وفشل إسرائيل في ضم السعودية لإنشاء تحالف إقليمي ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.

التخوفات الإسرائيلية من الاتفاق السعودي الإيراني تأتي خشية من تغلغل النفوذ النووي الإيراني، بعد أن فشلت أمريكا في إيقاف التحديات الإيرانية لتطوير منظومة التسليح الأمني، خاصة الخطوات النووية التي تسابق الزمن، وربما مالت السعودية لتجنب زيادة تنامي العداء الإيراني، ورأت أنه من الواجب التوافق والتصالح لمزيد من الاستقرار في المنطقة. 

ومع القلق الإسرائيلي من الرغبة الصينية للتصالح مع السعودية لتهدئة ردة الفعل حول تطلعاتها النووية، والتي قربت إيران، حسب المؤشرات، من صنع أول قنبلة نووية لها.

ومن أهم المكاسب الناتجة عن التصالح هو الأمان الذي سوف تكون عليه الدول المصدرة والمستهلكة للنفط نتيجة تأمين ممرات الطاقة الدولية والناقلات البترولية، خاصة في الخليج العربي ومضيق هرمز، عن الاستهداف.

وجاء الموقف المشرف لمصر بدعم الاتفاق في بيان أصدرته وزارة الخارجية الذي عبر "عن تطلع مصر لأن يسهم الاتفاق في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وأن يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومي العربي، وتطلعات شعوب المنطقة في الرخاء والتنمية والاستقرار"، وتمنت مصر التوفيق للبلدين.

المؤكد أن المستفيد الأكبر أيضا من التوافق هو التنين الصيني الذي يزحف بقوة اقتصادية وسياسية لفرض وجوده في المنطقة، بجانب الأمان الذي تعيشه المنطقة، وهو ما نتمنى أن يدوم ويحافظ عليه الإيرانيون، ولا يحدث ما  يخل بالاتفاق والعلاقات.