قامات علمية وأدبية وفكرية تظل أمد الدهر خالدة فى القلوب والأذهان لما تركوه لنا من بصمات مشرفة وعلامات مضيئة بأعمالهم وتراثهم الفكرى المتميز.
ونلقى اليوم الضوء عبر منصة " صدى البلد " على أحد رموز الفكر وهو عملاق الأدب العربى المصرى والسياسى والمفكر عباس محمود العقاد، والذى تحل علينا فى شهر مارس الجارى الذكرى الـ 59 على رحيله بإعتباره قامة كبيرة فى مجال الأدب وأثروا الحياة الثقافية والفكرية فى المجتمع، حيث توفى فى 12 مارس من عام 1964 .
قامة أدبية
ففى البداية نتحدث عن أبرز ما يهتم به الرأي العام حالياً، والمتعلق بعباس العقاد وهو الذى يتجسد فى بيته بمنطقة عباس فريد، والذى قامت الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة ، واللواء أشرف عطية محافظ أسوان بزيارته منذ أيام حيث كان فى إستقبالهم أسرة الأديب الراحل، وأكدت الوزيرة والمحافظ علىتنفيذ توجيهات دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى الخاصة بالإستغلال الأمثل لبيت العقاد والعمل على تدعيمه وترميمه ورفع كفاءته من أجل الحفاظ عليه.
وقد شهد بيت العقاد إهتمام غير مسبوق خلال الفترة الحالية من أجهزة الدولة حيث تم المعاينة الميدانية للجنة العليا المشتركة التى وجه رئيس الوزراء بإيفادها ، وتقوم حالياً بإعداد التوصيات والتقرير الهندسى الخاص بمقترحات لتحويله إلى متحف ومزار ثقافى وسياحى مفتوح مما يعكس إهتمام الدولة بالمبانى التراثية المرتبطة بتاريخ أبنائها من رموز العلم والفكر والأدب ، وفى مقدمتهم عملاق الأدب العربى عباس العقاد .
أما عن حياة وشخصية العقاد الذى يعتبر نموذجاً يحتذى به فى الكفاح حيث إنه علم نفسه بنفسه فتفوق وأبدع، فعملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد، ابن أسوان الذى كان ومازال قامة وقيمة عظيمة فى تاريخ الأدب المصرى والعربى والعالمى تجعلنا دائمًا نقف أمامها.
التعلم والمعرفة
واعتمد "العقاد" على ذكائه وصبره وإصراره علي التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدا ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضا، حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح الوافدين على محافظتي الأقصر وأسوان، ما مكنه من القراءة والاطلاع علي الثقافات البعيدة.
والتحق العقاد بمدرسة المواساة الابتدائية، وذات يوم وأثناء زيارة الإمام محمد عبده للمدرسة طلب الاطلاع وقراءة بعض المقالات التي يجتهد التلاميذ في كتابتها، فقرأ المقال الخاص بالتلميذ "عباس محمود العقاد"، وفى ذلك الحين قال جملته الشهيرة التى أثرت فى حياة العقاد "حرى بهذا الطالب أن يكون كاتبًا فذًا"، وصدقت نبوءة الإمام محمد عبده، وصار العقاد كاتبًا عظيمًا .
وقام العقاد بإنهاء تعليمه عند المرحلة الابتدائية، وعمل كاتبًا فى هيئة البريد بأسوان، ولكنه كان مطلعًا ويحب القراءة، لذلك حاول أن يثقف ذاته بالقراءة في جميع المجالات حتى أصبح صحفيًا بصحيفة الدستور في هذا الوقت، ثم انضم إلى حزب الوفد، وكان صديقًا مقربًا لسعد زغلول.
وكان العقاد حريصا على تعلم العديد من اللغات، حيث كان يجيد 9 لغات منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعبرية والألمانية، وغيرها من اللغات الأخرى، وكان دائمًا يتحدى أن يجيد أحد من أهل الدول التي يتحدث بلغاتها أفضل منه.
وعمل بالتدريس لفترة، ثم عاد إلى الاشتغال بالصحافة في جريدة الأهالي سنة 1917، وأخذ يتنقل من جريدة لأخرى، فالتحق بجريدة الأهرام سنة 1919 واشتغل بالحركة الوطنية التي اشتغلت بعد ثورة 1919، وأصبح العقاد هو الكاتب الأول لحزب الوفد، والمدافع عنه أمام خصومه، وعمل العقاد أيضًا في جريدة البلاغ وروز اليوسف، والهلال، وأخبار اليوم، ومجلة الأزهر.
بعد أن عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب، وسجُن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية؛ فحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه»،
ومن إنتاجه النثري كتب "الفصول، ومطالعات في الكتب، والحياة، "، ثم كتب سلسلة "سير الأعلام، والشخصيات الإسلامية"، ومنها سلسلة العبقريات "محمد والصديق وعمر، وسيرة سعد زغلول"، كما اتجه إلى الفلسفة الإسلامية فكان كتابه "الله" ثم "الفلسفة القرآنية" ثم "إبليس" ثم "الإسلام وأباطيل خصومه"، كما تعدت مؤلفات الكاتب الكبير 15 ألف مقالة والمائة مؤلف و10 دواوين في الأدب واللغة والنقد والتاريخ والاجتماع والسياسة والتراجم، وله أربعون كتابًا في الإسلاميات على رأسها العبقريات الشهيرة التى بدأها بعبقرية سيدنا محمد (ص) ثم الخلفاء الراشدين، وله عدة مؤلفات فى الدفاع عن الإسلام.
وفيما يخص مقتنياته فى أسوان، تم نقل غرفة نومه من شقته بمصر الجديدة إلى مكتبته بأسوان، على كورنيش النيل، بالإضافة إلى جزء من صالون العقاد الذى كانت تقام فيه الندوات، وبعض الصور التى كانت بحوزة أسرة الأديب الراحل، والشهادة التقديرية التى منحها له الرئيس السابق حسنى مبارك.
وتوجد لعملاق الأدب العربى "العقاد" مقبرة خاصة به وضعت فى موقع تم تسميته بميدان العقاد بمدينة أسوان، كما تم تصميم تمثال من قبل وزارة الثقافة وتم وضعه فى هذا الميدان تخليدًا لذكراه.