الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرى نفي سعد زغلول إلى مالطة.. جدارية في الإسكندرية كانت مقدمة الحدث

صدى البلد

يصادف  في مثل هذا اليوم 8 مارس من العام 1919، نفي سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة مالطة لتشتعل شرارة ثورة  1919 في اليوم التالي.

 

يوجد جدارية نراها في أحد جوانب قاعدة تمثال سعد باشا زغلول بمحطة الرمل - الإسكندرية للعبقري "محمود مختار" كانت مقدمة لنفي سعد باشا زغلول و رفاقه، حيث أنه في الساعة الحادية عشرة من صباح الأربعاء 13 نوفمبر 1918 قلم سعد باشا زغلول وعلي باشا شعراوي وعبد العزيز بك فهمي ومقابلة مع المندوب السامي البريطاني في مصر السير ريجنالد وينجت.
 

وفي يوم 11 نوفمبر سنة 1918 سكتت المدافع على جميع الجبهات وانتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء بقيادة بريطانيا العظمى انتصارًا كاملًا على دول المحور بقيادة ألمانيا.

 

كان المصريون ينتظرون نهاية الحرب حتى تنتهي معاناتهم من حرب لم يكونوا طرفًا فيها، وسقط في المعارك شهداء من المصريين وصادرت سلطة الاحتلال دوابهم ومحاصيلهم لصالح المجهود الحربي وتحملت الخزانة المصرية ثلاثة ملايين ونصف مليون جنيه دعمًا لبريطانيا العظمى في حربها، لكنهم أيضًا كانوا ينتظرون على أمل أن ينتهي الاحتلال البريطاني لمصر مع نهايتها مثلما انتهى الحكم العثماني مع بدايتها.

 

كانت آمال المصريين تستند إلى ما قدموه من دعم لبريطانيا أثناء الحرب، كما كانت تستند إلى الوعد البريطانية، فقد جاء في رسالة الحكومة البريطانية إلى السلطان حسين كامل عند تنصيبه مكان الخديوي عباس حلمي الثاني: "قد أصبح من الضروري الآن وضع شكل للحكومة التي ستحكم البلاد بعد تحريرها “ كما تضمنت وعدًا بالنظر في نظام الامتيازات الأجنبية بعد انتهاء الحرب، ومع اقتراب نهاية الحرب بدأ التفكير جديًا في نظام جديد لإدارة البلاد”.

ووضع بالفعل السير وليم برونيت المستشار المالي البريطاني مشروعًا لقانون نظامي لمصر لكن النخبة السياسية المصرية رفضته تمامًا لأنه وضع مصر في مرتبة المستعمرات وحرمها من مجلس تشريعي منتخب وكان أول من تصدى للمشروع حسين باشا رشدي رئيس الحكومة".

 

وفي عام 1917 أعلن الرئيس الأمريكي ويلسون المبادئ الأربعة عشر التي تضمنت حق تقرير المصير للشعوب وقد أحيت هذه المبادئ الآمال في نفوس المصريين.. وتصوروا أن الدول المنتصرة سوف تلتزم بهذه المبادئ وتعمل بها بعد نهاية الحرب، ورغم إعلان الأحكام العرفية وفرض الرقابة على الصحف وتعطيل الجمعية التشريعية أثناء سنوات الحرب الأربعة إلا أن الروح الوطنية كانت تنمو ببطء في تربة هيأتها سنوات النضال الوطني والديمقراطي منذ مطلع القرن".

 

وكانت السنوات الأولى من القرن العشرين سنوات للبعث الوطني ولتمهيد التربة من أجل المطالبة بالاستقلال والدستور.. ومع نهاية الحرب حدث ما لم يكن في الحسبان وما لم تكن تتوقعه سلطات الاحتلال التي تصورت واهمة أن الهدوء الذي خيم على البلاد أثناء الحرب كان خنوعًا من المصريين وقبولًا للاحتلال.. فقبل أن تنتهي الحرب اتفق سعد باشا زغلول الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وزعيم المعارضة بها وزميليه في الجمعية عبد العزيز فهمي بك وعلي شعراوي باشا على أن يطلبوا من دار الحماية تحديد موعد لهم ليقابلوا السير ريجنالد وينجت المندوب السامي البريطاني للتحدث إليه في طلب الترخيص لهم بالسفر إلى لندن لعرض مطالب البلاد على الحكومة الإنجليزية".

 

وقبل أن تعلن الهدنة بساعات تقدم سعد ورفيقيه يوم الإثنين 11 نوفمبر بطلبهم إلى دار الحماية بوساطة من حسين باشا رشدي رئيس الوزراء.. فاستجابت دار الحماية لطلبهم وحددت لهم موعدًا يوم الأربعاء 13 نوفمبر 1918 الساعة الحادية عشر صباحًا، وقابلوا المندوب السامي ودار بينهم حوار طويل استمر لمدة ساعة".

 

وأورد المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن ثورة 1919 نصًا للحوار الذي دار بين الزعماء الثلاثة والمندوب السامي البريطاني، حيث طالب سعد زغلول بإلغاء الأحكام العرفية وإنهاء مراقبة الصحف والمطبوعات ..

 

تلك الرقابة التي ضاق بها المصريون، وقال سعد باشا: "المصريون لهم الحق في القلق على مستقبلهم “ وعندما رد عليه وينجت مطالبا إياه والمصريين بعدم التعجل والنظر للعواقب البعيدة، علق سعد على مقولة وينجت بأنها عبارة مبهمة غير مفهومة”.

 

ووجه وينجت أثناء الحديث انتقادات لمحمد فريد ورجال الحزب الوطني " القديم طبعا " وأوضح علي شعراوي باشا دوافع الحزب الوطني في اتخاذ المواقف المتشددة وقال: "صداقة الحر للحر لا العبد للحر "، عندها قال وينجت في استنكار: "إذا فأنتم تريدون الاستقلال"، فرد سعد باشا: "ونحن أهل له".

 

حاول وينجت أن يقلل من شأن الشعب المصري ومن قدرته على حكم نفسه بنفسه، مرة بالتأكيد على ضرورة التدرج في الاستقلال ومرة بحجة عدم أهلية المصريين ومرة ثالثة بدعوى أمية المصريين ومرة رابعة بالإشارة إلى موقع مصر الذي يجعلها مطمعًا للطامعين.

 

وفند الزعماء الثلاثة دعواه الواحدة بعد الأخرى وأكد عبد العزيز بك فهمي على مطالب الأمة قائلا: "نحن نطلب الاستقلال التام". 

 

وأكد أن للحزب الوطني القديم وحزب الأمة هدف واحد وطريقين مختلفين للوصول إليه.. وبعد أن انتهى اللقاء توجه الزعماء الثلاثة إلى وزارة الداخلية لمقابلة حسين رشدي باشا في مكتبه بالوزارة وأبلغوه بما دار في اللقاء.

 

وكان رشدي باشا قد أعد في نفس اليوم خطابًا للسلطان أحمد فؤاد الأول " الملك أحمدفؤاد الأول فيما بعد " يستأذنه فيه السماح له ولعدلي يكن باشا بالتوجه إلى لندن للسعي نحو تحقيق استقلال مصر.

وفي نفس اليوم أيضًا التقى رشدي بالسير وينجت، فتساءل الأخير كيف يتحدث ثلاثة رجال باسم الأمة ؟ وعندما علم سعد من رشدي باشا بما دار في لقائه مع وينجت اجتمع مع رفيقيه للتشاور في أسلوب يثبت جدارتهم بتمثيل الأمة فاتفقوا على تأليف هيئة تسمى الوفد المصري في إشارة إلى أنها وفد مصر للمطالبة باستقلالها، وأن تحصل هذه الهيئة على توكيلات من الأمة للحديث باسمها ..

كان يوم الأربعاء 13 نوفمبر 1918 يومًا تغير فيه وجه  التاريخ في مصر، كان يومًا له ما بعده من نفي سعد باشا زغلول ورفاقه إلي جزيرة مالطة " السبت  8 مارس 1919 "،  واندلاع شرارة ثورة 1919 " صبيحة  الأحد 9 مارس 1919 "،  وحتي حصول مصر علي استقلالها في العام 1922.