مر عام على الحرب الأوكرانية الروسية التي بدأت في 24 فبراير 2022، التى لم تشهد لها أوروبا مثيلًا منذ عام 1945 وتعد أطول الحروب فى العصر الحديث وأهمها بعد الحرب العالمية الثانية، وبعض المحللين العسكريين يعتبرونها حربا عالمية ثالثة بالوكالة، رغم أنها تصنف طبقًا للعلوم العسكرية، بأنها حرب محدودة بين دولتين إلا أنها ألقت بظلالها على دول العالم وتأثر بها دول العالم الثالث تأثيرا مباشرا بسبب تداعياتها التى هددت استقرارها وأصبح شبح الجوع يهدد شعوبها وكذلك هددت استقرار دول كبرى بسبب حدوث اختلالات فى الاقتصاد وارتفاع معدل التضخم نتيجة توقف سلاسل الامداد وحدوث أزمة فى الطاقة ونقص المعروض من السلع.
تعود بداية شرارة الحرب الى قيام رئيس الوزراء السوفيتى الأسبق خروشوف إهداء أوكرانيا شبه جزيرة القرم، التى كانت تابعة لروسيا، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى، قامت روسيا عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، بعد إجراء استفتاء بين أهالى المقاطعة، وتبعًا لذلك فرضت أمريكا ودول حلف الناتو عقوبات اقتصادية على روسيا منذ هذا التوقيت.
وفى يناير 2022، أعلنت أوكرانيا أنها سوف تنضم إلى حلف الناتو، الأمر الذى أزعج روسيا، باحتمال وجود قوات من 28 دولة على حدودها، وحذرت أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، لم تلتزم بذلك فقامت روسيا يوم 24 فبراير 2022 بالهجوم على أوكرانيا، حيث نجحت فى تدمير البنية الأساسية العسكرية الأوكرانية، فى الأيام العشرة الأولى من القتال، ثم تقدمت لمهاجمة كييف العاصمة، لكن القوات الأوكرانية لجأت إلى حرب المدن، حيث تعثرت هجمات القوات الروسية. لذلك حولت روسيا اتجاهات الهجوم، وتقدمت شرقًا، حيث استولت فى ثمانية أشهر على 20% من الأراضى الأوكرانية، واستولت على أربع مقاطعات، هى لوهانسك ودونتسيك وزابوريجيا وخيرسون، بعدها قام بوتين بضم هذه المقاطعات إلى روسيا بعد عمل استفتاء بين أهالى هذه المناطق، وكان هدف روسيا منذ بدء القتال هو أربع نقاط رئيسية؛ إجبار أوكرانيا على أن تكون دولة محايدة، ونزع سلاحها مثل سويسرا، والثانية عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو أى حلف آخر، وأن تتعهد أوكرانيا بألا تكون دولة نووية. وأخيرًا تعترف أوكرانيا بحق روسيا فى ضم شبه جزيرة القرم إليها.
خلال تلك الفترة كان الدعم العسكرى من حلف الناتو والولايات المتحدة إلى أوكرانيا عبارة عن أسلحة دفاعية، و كان شرط الولايات المتحدة ألا تقوم أوكرانيا باستخدامها لقذف العمق الروسى لتجنب تصعيد روسيا أعمال قتالها، ويصبح لها مبرر لاستخدام القنابل النووية التكتيكية.
ومع دخول الشتاء تغيرت استراتيجية روسيا، حيث قررت، الاكتفاء بتحسين موقف قواتها على الخطوط الدفاعية ، وأصبح هدفها هو الاستيلاء على خاركيف لأنها عقدة مواصلات مهمة فى المنطقة، كما قامت بتدمير البنية الأساسية التحتية المدنية الأوكرانية، وتحديدا الكهرباء، حيث وصل عدد المحرومين من الكهرباء فى أوكرانيا إلى 9 ملايين أسرة.
كما ركزت روسيا على تضييق الخناق على إمداد الدول الأوروبية بالغاز لإجبار شعوب هذه الدول على الثورة ضد حكوماتها بسبب دعم أوكرانيا فى حربها ضدها، وبدأت روسيا خلال هذه الفترة بالاستعداد لهجوم شامل أمام أوكرانيا فى الربيع عندما يذوب الجليد، وتصبح الطرق والمحاور أكثر صلاحية لتقدم القوات وسهولة الإمداد بالذخيرة والمواد اللوجستيكية.
وبدأ الغرب فى العمل على إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية، تمثلت فى دبابات ليوبارد الألمانية، وهى دبابات قتال رئيسية، كذلك قامت أمريكا بإمدادها بالدبابات M1A1 إبرامز، وهى أحدث ما هو موجود فى الترسانة الحربية. كذلك قامت بريطانيا بإمدادها بدبابات تشالنجر، ومن فرنسا دبابة الاستطلاع «أم أكس»، وفى نفس الوقت قامت أمريكا بتزويد أوكرانيا بصواريخ الباتريوت المضادة للطائرات، كذلك شجعت إسرائيل على إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية، ولعل أهمها نظام القبة الحديدية، كذلك دبابات من قطر وبولندا وكندا.
وطلبت أوكرانيا أيضًا طائرات إف 16 أمريكية، لكن حتى الآن تحفظت أمريكا والدول الأخرى على ذلك الطلب، حيث إن هذه الطائرات تحتاج إلى تدريب كبير للأطقم الأوكرانية، ورغم أن هذه الأسلحة الهجومية الجديدة من الدبابات من أنواع متطورة، فإن حجم الدبابات المنتظر وصولها إلى أوكرانيا حوالى 150 دبابة، وسوف تدخل المعركة، قبل الربيع نظرًا لحاجة الأطقم الأوكرانية للتدريب عليها حيث كان تسليح الجيش الأوكرانى فى السابق دبابات روسية.
لم تعلن روسيا وأوكرانيا عن أعداد موثوقة لخسائرهما منذ شهور. وحسب تقديرات النرويج، خلفت الحرب في أوكرانيا ما يقرب من 180 ألف قتيل وجريح في صفوف الجيش الروسي و100 ألف في الجانب الأوكراني، إضافة إلى مقتل 30 ألف مدني.
أما الأمم المتحدة فقالت إن أكثر من 7 آلاف شخص قُتلوا في أوكرانيا، إلا أنها توضح أن هذا الرقم أقل من الواقع ويشمل مع الإصابات أكثر من 18 ألف شخص.
فيما قدّر وزير الدفاع النرويجي إيريك كريستوفرسن، الأسبوع الماضي، أن الجانب الأوكراني لديه أكثر من 100 ألف شخص قُتلوا أو جُرحوا، بينما نزح ثمانية ملايين أوكراني إلى البلدان الأوروبية، ونحو ستة ملايين آخرين داخل بلادهم.
وفقاً للقيادة العامة الأوكرانية فإن إجمالي الخسائر القتالية للقوات الروسية بلغت 3326 دبابة، وأكثر من 6500 مركبة قتالية مصفّحة، و2338 نظام مدفعية وأكثر من 471 نظاماً صاروخياً (راجمة) وأكثر من 240 نظام دفاع جوي و 300 طائرة ثابتة الجناحين و287 مروحية وأكثر من 2020 طائرة بدون طيار و18 سفينة أو قارب و أكثر من 5200 مركبة وناقلة.