"رودينا" .. بنت جميلة في اولى ثانوي ، حظيت بشهرة واسعة على السوشيال ميديا خلال الساعات الاخيرة ، لكن هذه الشهرة لم تكن بسبب قصة نجاحها بل كانت - وبكل اسف - بسبب قصة وفاتها
فقد توفيت رودينا التي لم تحتمل ان تعيش وسط هذا العالم القاسي الجارح اكثر من 16 سنة فقط .. ماتت مقتولة نفسيا على ايادي زميلاتها قتلا باردا ليس بالاسلحة ولا بالضربات بل برصاص الكلمات
رودينا التي كانت طالبة رقيقة وحساسة ومتفوقة في الدراسة ، ماتت قهرا و وجعا بعد ان شن عليها زميلاتها في المدرسة حربا نفسية نسميها الان بلغتنا المعاصرة "تنمر" ، حيث كانت تواجه يوميا كلمات جارحة من نوعية " هو انتي بتحسي ؟ " .. " هو انتي ازاي مستحملة شكلك ده؟ .. انتي مش شايفة انتي عاملة ازاي؟ .. وعندما حاولت التقرب من زميلاتها لتحسين العلاقات فوجئت بجملة " انتي مش من مستوانا"
هذه الكلمات التي تبدو امامكم الان انها "كلام عيال " ، كانت عند رودينا بمثابة سكين يتم غرسها يوميا بشكل تدريجي في قلبها الصغير الطيب لتتوجع وتتألم ثم تموت بالبطئ.
بكل اسف .. دم رودينا في رقبة كل اب و ام لم يهتموا بتربية ابناءهم على ان "الكلمة الطيبة صدقة" وعلى ان "الدين معاملة" وان " جبر الخواطر على الله" وان الله سيحاسبنا على كل كلمة تسببت في ايذاء نفسي لأي انسان .. دم رودينا في رقبة كل اب وام لم يهتموا بتربية ابناءهم على اداب الحوار وادام التعامل مع الناس وحب الغير .. دمها في رقبة كل من لم يربي ابناءه على طيبة القلب و عفة اللسان وحسن الاخلاق
قصة وفاة رودينا التي ماتت باكية من الحزن والقهر بسبب التنمر ، لابد ان تكون جرس انذار لافاقة جميع الاهالي بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية ، مهما كان "فلوسهم ونفوذهم" ، فلابد ان نعترف جميعا ان رودينا ماتت بسبب طالبات اهتم اهلهم بالصرف على التعليم قبل التربية ، مع انه من المفترض أن تكون التربية قبل التعليم
بكل اسف اصبحنا في زمن تحول فيه بعض الاهالي الى بنوك تتعامل مع ابناءها بلغة الارقام الصلبة الخالية من اي مشاعر او احاسيس اسرية توفر المناخ الآمن الذي يضمن لهؤلاء الابناء التربية السوية والاخلاق الحميدة ، تلك الطريقة الرقمية في التعامل اخرجت لنا اجيالا تتعامل بلغة "بفلوسك تدوس على الكل"
امتلأت مدارسنا ونوادينا و شوارعنا المصرية بأبناء نشأوا في بيوت باردة بها اسر اصبح شغلها الشاغل هو دفع مصاريف المدرسة ومصاريف الدرس ومصاريف التمرينات بإعتبار ان كدة "ابنهم مش محتاج حاجة تاني" ، دون اي اهتمام بتربية هذا الكائن الذي يصرفوا عليه ، هذا الكائن الذي يكبر ليتعامل مع زملاءه بتعالي وتكبر و قسوة لمجرد ان "ابوه معاه فلوس" ، وهو نفس الكائن الذي قد يهين هيبة استاذه ، وقد ينجح بالغش لمجرد انه "ماحدش هايقول له حاجة عشان ابوه بيدفع"
بالاصالة عن نفسي و النيابة اهالي “الناس المتربيين” اقدم خالص العزاء لأسرة رودينا .. وادعو لهم بالصبر والسلوان .. وادعو لرودينا بالرحمة واقول لها من اعماق قلبي : سامحينا يا رودينا ماعرفناش نربي
واتوجه للسادة المسئولين بضرورة سن تشريع يعاقب كل متنمر بأقصى عقوبة بدون تهاون او مجاملة ، واتمنى الا يفلت زميلات رودينا من العقاب المشدد ، الى جانب اطلاق اسم رودينا ورفع صورتها في فصلها مدى الحياه .. فرودينا ماتت لكن قصتها لابد ان تعيش ليتعلم منها الجميع
السلام والرحمة لروحك الطاهرة يا رودينا .. واللعنة كل اللعنة لكل من يطعن القلوب الطيبة برصاص الكلمات الموجعة .. أسأل الله ان يجبر خاطر المكسورين وأن يحفظ قلوب الطيبين من شرور كلمات البني ادمين