يكثر البحث عن فضائل شهر شعبان 2023، بالتزامن مع إعلان دار الإفتاء المصرية، استطلاع هلال شهر شعبان 2023، مع غروب شمس الغد.
أحكام شهر شعبان 2023
وفي بيان فضائل وأحكام شهر شعبان 2023 كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث اقتضت حكمة الله عز وجل تفضيل بعض الشهور على بعض، ومن ضمن هذه الشهور يجيء شهر شعبان الذي فضله الله، وعظّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال جمعة: حري بنا أن نعظمه وأن نكثر من العبادة والاستغفار فيه, كما جاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم في شعبان, فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان, وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله, فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم (رواه النسائي 4/201) فقوله: شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان يشير إلى أنه لما جاء بين شهرين عظيمين -رجب ورمضان- اشتغل الناس بهما عنه وغفلوا عنه, وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام, والأمر ليس كذلك.
ولفت إلى أنه في الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون أفضل منه, وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة.
وأشار في بيانه فضائل شهر شعبان 2023 أن من شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان ظن بعض أزواجه رضي الله عنهن أنه يصوم شعبان كله, مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان, وقد بينت السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم, وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان, وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان (رواه البخاري ومسلم).
وأوضح أن في هذا الشهر ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان, عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها فقال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن (رواه ابن ماجة 1/445 وابن حبان في صحيحه 17/48)
وقد ورد في فضل تلك الليلة أحاديث بعضها مقبول وبعضها ضعيف, غير أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال, ولذلك يحرص الصالحون على قيام ليلها وصيام نهارها.
امتداد لرحلة الإسراء
وتابع: في شعبان تم تحويل القبلة, وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية, حيث كان تحويل القبلة في البدء من الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين وتنقية النفوس من شوائب الجاهلية: (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) [البقرة:143] فقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه. ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله وتنقية القلوب وتجريدها من التعلق بغير الله وحثها على اتباع المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة, لذا فقد اختار لهم التوجه قبل المسجد الأقصى, ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم مما علق بها من الجاهلية, ليظهر من يتبع الرسول اتابعا صادقا عن اقتناع وتسليم, ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها.
وقال: بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة, صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام, ليس تقليلا من شأن المسجد الأقصى ولا تنزيلا من شأنه, ولكنه ربط لقلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام, حيث رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصا لله, وليكون قبلة للإسلام والمسلمين, وليؤكد أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ) [الحج:78] وليس تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام إلا تأكيدا للرابطة الوثيقة بين المسجدين, فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد قطع فيها مسافة زمانية قصر الزمن أو طال, فقد كان تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام رحلة تعبدية, الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات, إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4] وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96] فهي دائرة بدأت بآدم مرورا بإبراهيم حتى عيسى عليهم السلام, ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فقد أخره الله ليقدمه, فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.
وقد كرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة والاستجابة لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة:144] وما الأمر في هذا كله إلا أنه انتقال من الحسن إلى الأحسن وهذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها.
واختتم قائلأً: جاء تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام أيضا لتقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم فقلبه معلق بمكة, يمتلئ شوقا وحنينا إليها, إذ هي أحب البلاد إليه, وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة التي شرفت بمقامه الشريف فخرج من بين ظهرانيهم ووقف على مشارف مكة المكرمة قائلا: والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت (رواه الترمذي 5/722) وبعد أن استقر صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة, ظل متعلقا بمكة المكرمة فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام, فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة, ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.