الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الناس لا يموتون في اليابان بسبب الزلازل

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

سيطرت علي طويلاً خلال الـ12 يوما الماضية، التفكير في تداعيات "النكبة الزلزالية"، التي ضربت كل من سوريا وتركيا في السادس من فبراير الجاري. فالأزمة ليست فقط في كل هذا العدد المرّوع من الضحايا الذي سقط في البلدين جراء زلزال الإثنين المدمر، والذي وصلت قوته إلى 7.8 درجات بمقياس ريختر. ولكن الأزمة الأكبر، في عدم التفكير في تجنب مثل هذه الكوارث المروعة في حياة البشر، في منطقة معروفة سلفًا بأنها منطقة نشطة زلزاليا.

المثير للحزن والأسي في الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، أن هذه المنطقة حدث فيه زلزال مروع في عام 1939، وكان مصدره "صدع شمال الأناضول"، ووصلت قوته إلى 7.9 درجة، بينما جاء زلزال الإثنين الأسود الماضي، الذي كانت قوته  7.8 درجة بمقياس ريختر، من منطقة أخرى هي "صدع شرق الأناضول". فهذه منطقة نشطة زلزاليًا وتكثر فيها هذه الزلازل المروّعة.

وبالتوازي مع حالة الهلع والرعب، التي أفرزها زلزال 6 فبراير، فإنه يمكن التوقف أمام العديد من الأمور في الكارثة التي حلت بالبلدين، وكيف إنه كان ممكنا تجاوزها، وكيف يمكن تجنب القادم مثلها بالمستقبل:


وبداية لا يمكن التنبؤ بالزلزال، ولكن يمكن التقليل من فداحة خسائره إلى أكبر درجة ممكنة، ويكون هذا بالتشديد على الالتزام بمعايير بناء مساكن مقاومة للزلازل وتحمل تأثيراتها.

والقضية لم تعد إعجازًا علميا جديدًا يبحث العالم عن تحقيقه، ولكنها حقيقة تنفذها اليابان التي تقع في منطقة حزام النار بالنسبة للزلازل ولا يموت سكانها بعشرات الآلاف مثلما حدث في سوريا وتركيا.

فاليابان تتعرض سنويًا لعشرات الزلازل والهزات الأرضية، وزلازل مدمرة، لكنها تعرفت منذ سنوات طويلة، على طريقة فعالة لحماية أرواح اليابانيين الذين يصل عددهم إلى نحو 125 مليون نسمة.
-فالقضية كيف تقلل من حدة الكوارث الطبيعية إلى أدنى حد ممكن، ولا تكون أرواح الناس معرضة للفتك بمثل هذه السهولة خلال ثوانٍ معدودة.

وفي تجربة اليابان، والتي هى حيوية لكل بلد تقع أجزاء منها ضمن حزام الزلازل، نموذجا واضحا وجليا للعمل، وهو بالمناسبة ليس مكلفا للدول قدر إنها منظومة علمية للبناء ومعايير، تصر عليها الدول التي تريد تفادي كوارث بمثل هذه الحدة، عند إنشاء أي مبنى جديد وتكون نماذجها وتصميماتها حاضرة ويدرسها المهندسون المعماريون في كلياتهم.

تجربة اليابان في حماية أرواح ملايين اليابانيين من الزلازل المروعة، جاءت بعد كارثة زلزال 1923 أي منذ 100 سنة بالضبط، والمسمى بزلزال "كانتو الكبير"، وبلغت قوته 7.9 درجة على مقياس ريختر، ودمر طوكيو ويوكوهاما، آنذاك وأودى بحياة أكثر من 140 ألف ياباني.

من وقتها تعلمت اليابان كيف تتعايش مع الزلازل، وكيف تكون واحدة من أكثر بلدان العالم، آمانا وتزينا بناطحات السحاب، في كل مدنها الكبرى وطوكيو، وألا  يكون هذا مصدر هلع عند حدوث أي زلزال مدمر. فناطحات السحاب تتمايل مع أي زلزال قوي وتمتص الصدمة الزلزالية بإنسابية شديدة.

فاليابان التي تقع في بؤرة حزام الزلازل، تطبق معايير صارمة على الأبنية، لأن أرواح الناس ليست لعبة، ليتم ذوبان الآلاف منها في ثوان معدودة، ودمار ما لايقل عن 6 آلاف منزل، ثم رصد ميزانيات بالمليارات، تصل في حالة تركيا وسوريا إلى نحو 25 مليار دولار، وهذا ليس بسيطا.

في اليابان قانون يحدد متطلبات المباني لمقاومة الزلازل، بما في ذلك "السماكة الموصى بها" للأعمدة والجدران، لمواجهة الاهتزاز الأرضي والصدمة الزلزالية. وقانون آخر للمباني الشاهقة والأبراج، حيث يوصى باستخدام "مُخمدات" تمتص الكثير من طاقة الزلزال، بحيث يتم وضع طبقات من الخرائط المطاطية السميكة على الأرض لامتصاص الهزات بشكل كبير، ومعايير صارمة كذلك، لبناء هيكل المبنى نفسه بشكل معزول عن الأرض، وذلك بواسطة طبقات من الرصاص والفولاذ والمطاط، تتحرك بشكل مستقل مع الأرض تحتها عن حدوث الهزات الأرضية وهذا مع ناطحات السحاب والمباني والأبراج الشاهقة.

كارثة تركيا وسوريا، وعزاءانا للشعبين التركي والسوري في آلاف الضحايا الذين سقطوا جراءها، كان بالإمكان تجنبها، والاستعداد لما هو مقبل عند إعادة إعمار هذه المنطقة مرة ثانية بمليارات الدولارات التي سترصد لها.

ضياع أرواح 41 ألفا من مواطني تركيا وسوريا لم يكن فقط استجابة لغضب إلهي، وفق تفسيرات دينية أو غضب الطبيعة وفق تفسيرات أخرى، ولكنها كارثة تتحمل فيها القيادات السياسية مسؤولية كبيرة، ولابد أن يكون القادم أفضل.

وأخيرا.. على الجميع أن يتعظ بتجربة سوريا وتركيا، وبالخصوص في البلدان كثيفة السكان والتحذيرات التي صدرت الأيام الماضية، فيما يخص بلدان عدة في حزام المتوسط.