رغم ضخامة الكارثة، إلا أن هناك فئة من البشر تتخلى عن مسؤلياتها، ولا تدرك سلبية أفعالها، وذلك لدرجة قد تسبب بوفاة أرواح راقدة تحت الأنقاض، والكارثة أن نجد من يتعمد ذلك بحثا عن الأموال والمكاسب غير الشرعية، وهي ظاهرة تبحث عن حل في ظل حدوث الكوارث الكبرى مثل زلزال تركيا وسوريا الدموي.
والمنشورات الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت بالفعل تعرقل جهود الإغاثة من الزلزال في تركيا، وهناك يكون التسائل، هل يمكنك المساعدة في وقف ذلك؟، وهل بالفعل أنت متورط في تلك الأخطاء الكارثية، وكيف يكون لك دورا إيجابيا لمواجهة تلك الظاهرة؟ ... هذا ما تحاول السطور التالية الحديث عنه وتوضيحه.
فيديو في بيروت يروج على أنه في تركيا !!
حاز على انتشار واسع بالفعل، والجميع تابعه بقوة، وكان القلق يزداد كلما مر الوقت، لا تأتي الأخبار التي تطمئن المتابعون، نعم إنه مقطع فيديو تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر عمودًا من الدخان الكثيف يتصاعد من مبنى على جانب المرفأ قبل انفجار كارثي، وكانت التسمية التوضيحية الخاصة به تقول إنها، بشكل لا يصدق، لقطات لمحطة طاقة نووية في تركيا تنفجر بعد الزلزال الذي دمر البلاد.
ولكن المفاجأة، أن تركيا ليس لديها أي محطات طاقة نووية عاملة من الاساس، هذا بجانب أن حقيقة الفيديو التي بحث عنها المتخصصون، تكشفت أن اللقطات تظهر في الواقع منشأة لتخزين الأسمدة في ميناء بيروت، بلبنان، وذلك وقت ما انفجرت في عام 2020، بحادث الانجار الشهير لمرفأ بيروت .. وكان هذا نموذج لأحد التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي الكاذبة التي تنتشر وتؤثر على جهود الإنقاذ، وذلك وفق ما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية.
200 ألف محاصرين تحت الأنقاض
وحتى يدرك الجميع خطورة تأثير تلك التدوينات الكاذبة، نشير إلى أنه لايزال هناك أكثر من 200 ألف شخص محاصر تحت الأنقاض، وتبذل فرق الإنقاذ جهود جبارة للبحث عن أحياء تحت الأنقاض، بل وأن هناك حالات تم إنقاذها عبر رسائل حقيقية تأتي من الأحياء تحت الأنقاض عبر هواتفهم ساعدت في التعرف على أماكنهم، وهو ما يزيد من خطورة تدوينة كاذبة يترتب عليها جهود انقاذ على الأرض، ولكن في مكان ليس به ضحايا حقيقيون.
ووفقا للأرقام الرسمية الصادرة من الحكومة التركية، فإن المناطق المتضررة من زلزال يوم الاثنين، هي موطن لما يقدر بنحو 13.5 مليون شخص، بما في ذلك ما يصل إلى مليوني لاجئ ، معظمهم من سوريا، وأسفر الزلزال عن مقتل أكثر من 25 ألف شخص في تركيا وسوريا ، بحسب وكالة أسوشيتيد برس ، وإصابة عشرات الآلاف، وقد أسفر الزلزال عن تدمير عشرات الآلاف من المباني، فيما فر العديد من سكان المناطق الأكثر تضررا .
أزمة حقيقة لمن هم على الأرض
وفيديو المفاعل النووي الكاذب، هو مجرد واحد من منشورات لا حصر لها تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعي زوراً أنها تصور أحداثاً كارثية في تركيا، فمنذ ذلك الحين، يحاول مدققو الحقائق في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك Full Fact، التحقق من الأحداث الحقيقية، للحد من انتشار المعلومات المضللة والخطيرة.
ومدققو الحقائق على الأرض مرهقون بشكل كبير، ووفق المنظمات الدولية العاملة في تركيا، فقد اتصل نظرائهم في تركيا، لطلب الدعم في وقف موجة المعلومات المضللة، وأخبروهم أنهم اضطروا إلى التوقف عن عملهم في الغالب بسبب الأضرار التي لحقت بمنازلهم، مع ارتفاع عدد القتلى الآن إلى أكثر من 33000 شخص، ومن الأهمية بمكان أن يتمكن أولئك الذين يعملون في جهود الإغاثة من الوصول إلى معلومات جيدة عبر الإنترنت.
تلك كوارث المعلومات المغلوطة
وفق تقرير الصحيفة البريطانية، يمكن للمعلومات الخاطئة أن تعرقل بشكل مباشر المساعدات والإغاثة في حالات الكوارث، فقد يستخدم الأشخاص والمنظمات اللقطات التي يرونها على الإنترنت للمساعدة في تحديد المتضررين ، أو لم شمل الأشخاص المفقودين من أفراد الأسرة، ومنذ عام 2017، كان الصليب الأحمر الكندي يحاول تثقيف الناس حول اعتماد ضحايا الكارثة على أي معلومات يمكنهم العثور عليها.
ويمكن أن يمنع المحتوى المضلل عبر الإنترنت أولئك الذين يحاولون مساعدة الأشخاص في الحصول على المعلومات والدعم الصحيحين، وبالنسبة للأشخاص المتضررين من هذه المأساة، فإن آخر شيء يحتاجون إلى رؤيته هو أن وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم مليئة بالمعلومات الخاطئة، ولا يستحق الضحايا استغلال تجاربهم المؤلمة فقط من أجل المشاركة ، سواء بحسن النية أم لا.
وسيلة رخيصة لجمع الأموال
إضافة إلى ذلك، تطلب بعض هذه الحسابات مباشرة من المشاهدين التبرع بأموال، بزعم جهود الإغاثة، ونظرًا لعدم أصالة المحتوى الذي يتم نشره، فمن المحتمل أنهم يستغلون الأحداث عمدًا لتحقيق مكاسب مالية شخصية، ولقد جمعت عمليات جمع التبرعات المشروعة مثل لجنة طوارئ الكوارث الآن أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني - من المهم منع الجهات الفاعلة السيئة من محاولة الاستفادة من حقيقة أن الكثير من الناس يريدون المساعدة.
وقد يكون من المفهوم أن الناس يريدون مشاركة لقطات المأساة، وفي أغلب الأحيان، يتم ذلك بحسن نية، ولكن عندما نرى قصصًا إخبارية عاجلة شديدة الانفعالات تستحوذ على خلاصاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تخلق فرصة لتزدهر المعلومات المضللة، وعندما غزت روسيا أوكرانيا العام الماضي، رأينا قصة مماثلة تظهر، ثم لم يمض وقت طويل قبل أن يتم مشاركة مقاطع من الحروب السابقة، والبلدان المختلفة وحتى ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، والتي تستخدم لتوضيح الحرب بشكل خاطئ، حتى أننا اضطررنا إلى التحقق من حقيقة بي بي سي بعد أن استخدمت لقطات لعرض عسكري روسي قديم كنا قد فضحهنا في اليوم السابق.
محرر مساعد في Full Fact يكشف المعاناة
عباس بنجواني المحرر المساعد في Full Fact، وهي مؤسسة خيرية مستقلة لمدققي الحقائق والناشطين، يتحدث عن تلك الظاهرة السلبية، ويقول إنه عندما يحدث هذا النوع من الأحداث المأساوية، يريد بعض الناس للأسف إيجاد طرق يمكنهم من خلالها الاستفادة من الاهتمام الواسع بالموضوع، وأثناء مراقبتنا للمحتوى عبر الإنترنت في Full Fact، رأينا حسابات تم إنشاؤها على ما يبدو بهدف اكتساب التأثير فقط من خلال نشر مقاطع مزيفة عن المأساة.
وتابع: "من الصعب منع الأشخاص الذين يبدو أنهم يشاركون هذا النوع من المعلومات المضللة من أجل المال أو الشهرة، لكننا نعلم أن معظمهم ليسوا خبيثين وسيئين يسعون لاستغلال مأساة، إنهم ببساطة أشخاص يتطلعون إلى العثور على المعلومات ومشاركتها في أعقاب حدث مزعج، وفي مثل هذه المواقف ، لدينا جميعًا دور نلعبه، وعندما تشاهد مقطع فيديو يتعلق بالزلزال، فإن أول شيء يجب أن تسأله لنفسك هو: هل يبدو هذا معقولاً؟ يمكن فضح الفيديو الذي يزعم أنه أظهر انفجار محطة للطاقة النووية من خلال بحث سريع على Google".
نصائح مهمة لتساعد في كشف الحقائق
وفي نصائحة لكشف التدوينات الكاذبة، يقول بنجواني، "اسأل نفسك ما إذا كان أي شيء في اللقطات يبدو واضحًا في غير محله؟ شاهدنا مقطع فيديو يدعي إظهار هزة أرضية في تركيا كان في الواقع من نيبال، فكيف لنا أن نعرف هذا؟ السيارات التي تظهر في الصورة تحمل لوحات أرقام نيبالية وليست تركية، ومع وجود الكثير من العمل الذي يقوم به مدققو الحقائق في جميع أنحاء العالم، من المفيد أيضًا التحقق مما إذا كان الفيديو الذي تشاهده قد تم فضحه بالفعل".
وأكمل : "وإذا كنت لا تزال غير متأكد، فلدينا مجموعة أدوات لاكتشاف المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت والتي يمكن لأي شخص الوصول إليها، وفي أوقات مثل هذه المأساة، يمكننا أن نجتمع جميعًا ونلعب دورنا من خلال توخي الحذر الشديد بشأن ما نشاركه عبر الإنترنت، فعندما تنتشر المعلومات السيئة، يمكن أن تدمر الأرواح ، وفي هذه الحالة ، يمكن أن تعرقل جهود الإغاثة أثناء كارثة مستمرة".