تفسير سورة الزلزلة .. سورة الزلزلة مدنية، وآياتها ٨ آيات، ونزلت بعد سورة النساء، وهي سورة تهز القلب هزّاً عنيفاً، يشترك في هذه الهزة الموضوع والمشهد، والإيقاع اللفظي، وصيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها، فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار، وهذا هو طابع الجزء كله يتمثل في هذه السورة تمثلاً قويًا.
وتعرضتتركياوسوريا إلىزلزال اليوم، وأعلنتإدارة الكوارث التركية، مساء اليوم الإثنين، ارتفاع عدد ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد إلى 1498 قتيلا.
وشهدت كل من تركيا وسوريا زلزالا فجر اليوم الاثنين بلغت قوته 7.8 درجة ضرب، هو الأسوأ الذي تشهده تركيا هذا القرن، كما شعر به سكان في قبرص ولبنان وتلاه زلزال آخر كبير مع بداية الظهيرة بقوة 7.7 درجة.
وتصف سورة الزلزلةالآيات مشهد القيامة حين تضطرب اضطرابا شديدا، وترتجف الأرض الثابتة ارتجافا، وتزلزل زلزالا، وتنفض ما في جوفها نفضا، وتخرج ما يثقلها من الكنوز والدفائن والأموات، وهو مشهد يخلع القلوب، ويهز كل ثابت، ويخيل للسامعين أنهم يترنحون ويتأرجحون، والأرض من تحتهم تهتز وتمور.
فإذا شاهد الإنسان القيامة بأهوالها، والأرض تتحرك في زلزال عنيف، وتخرج ما فيها، فإنه يتساءل من شدة هول ما يرى: «وقال الإنسان ما لها» وهو سؤال المتحير الذي يرى ما لم يعهد، وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها، ويحاول أن يمسك بأي شيء يشده ويثيبه، وكل ما حوله يمور مورا شديدا.
«يومئذ تحدّث أخبارها» في ذلك اليوم تنطق الأرض بلسان الحال، أي أن حالها وما يقع فيها من الاضطراب والانقلاب، وما لم يعهد له نظير من الخراب، يعلم السائل ويفهمه الخبر : بأن ربك أوحى لها. وأمرنا أن تمور مورا، وأن تزلزل زلزالها، وأن تخرج أثقالها، وأن تحدّث أخبارها، فهذا الحال حديث واضح عما وراءه، من أمر الله ووحيه إليها.
«يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم» في ذلك اليوم الذي تحدث فيه الزلزلة والهول، يقوم الناس من القبور أشتاتا متفرقين، فالمحسنون فريق، والمسيئون فريق آخر، ويرى كل إنسان جزاء عمله.
«فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره» فمن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره فإنه يجد جزاءه، ومن يعمل من الشر ولو شيئا قليلا فإنه يجد جزاءه.
مقاصد سورة الزلزلة
اشتملت سورة الزلزلة على ثلاثة مقاصد:
1- اضطراب الأرض يوم القيامة، ودهشة الناس حينئذ.
2- ذهاب الناس لموقف العرض والحساب أشتاتا متفرقين ليروا أعمالهم.
3- يكافأ الإنسان على عمله من خير وإن كان مثال ذرة، ويجازى على ما عمل من شر مهما كان صغيرا.
فضل سورة الزلزلة
أخرج الترمذي -وقال : هذا حديث حسن- عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه، (هل تزوجت يا فلان) ؟ قال : لا والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوج!! قال:(أليس معك: قل هو الله أحد) ؟ قال: بلى، قال :(ثلث القرآن)، قال: (أليس معك: إذا جاء نصر الله والفتح) ؟ قال: بلى، قال:(ربع القرآن)، قال: (أليس معك : قل يا أيها الكافرون) ؟ قال: بلى، قال: (ربع القرآن)، قال: (أليس معك: إذا زلزلت الأرض زلزالها) ؟ قال: بلى، قال: (ربع القرآن، تزوّج).
ذكرت الآيات بعض الآثار التي تترتب على هذا الزلزال الذي سيقع يوم القيامة والتي منها:
1 – أن الأرض تلفظ ما في بطونها من الأموات والأجسام المختلفة وذلك بعد النفخة الثانية، قال الله تعالى: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» ألقت ما في جوفها من الأموات والدفائن، كما قال تعالى: «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ» (الانشقاق 3/ 84 – 4).
وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».
وأما إخراج الأرض أثقالها فهو ناشىء عن انشقاق سطحها فتقذف ما فيها من معادن ومياه وصخر. فهذا الإخراج يشمل كل ما هو ثقيل في بطن الأرض. قال القرطبي: ما يكون في جوف الأرض من أموات وكنوز وغير ذلك مما يكون في باطنها. قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في جوف الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، وإنما سمى الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم … وهذا ما يستدعي الإعجاب والاستغراب من الإنسان فيبعثه على السؤال فيقول: ما بال الأرض تزلزل، ثم تخرج ما كان في باطنها؟! وقد اختلف عن المراد بالإنسان هنا، هل للجنس يعني هل يقول ذلك كل ما هو حي، أم يقول ذلك الكافر فقط؟ وأَما المؤمن فيقول: «هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ».
2- أن الله تعالى يهيئ للأرض فينطقها الله تعالى «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا» أَي: يوم إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا الشديد المتكرر تحدث الخلق أخبارها. قيل: ينطقها الله حقيقة، فتخبر بطريق المقال بما عُمِلَ عليها من خير وشر، وتشهد على كل واحد بما عمل على ظهرها. ويشهد لذلك ما أَخرجه الإِمام أَحمد والترمذي عن أَبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» ثم قال: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارَهَا»؟ قالوا: اللهُ وَرسولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلى كل عَبْد وأَمَة بِمَا عَمِلَ ظَهْرِهَا فَتَقُولُ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا، وقال يحيى بن سلام: تحدث بما أَخرجت من أَثقالها. ويشهد له ما في حديث ابن ماجه في سننه: “تَقُولُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَارَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي».
3 – خروج الناس من القبور للحساب والجزاء متفرقين يقول الله تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ»، وذلك بعد زلزال الأرض، وينصرف الناس إِلى موقف الحساب متفرقين بحسب أَعمالهم، حيث يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.