استكمالا للحديث الخاص حول كيفية التجهيز لأحداث يناير 2011 الذى سردت بعض تفاصيله خلال المقالة السابقة التى حملت عنوان “من طرف خفى -34”، ونشأة حركة حقوق الإنسان وإنشاء تنظيم القاعدة ليكونوا بديلا عن الحروب العسكرية، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 ، قررت حكومة الولايات المتحدة الرد عسكريًا، وبدأت في إعداد القوات المسلحة تحت زعم وستار الإطاحة بنظام طالبان الذي يأوي تنظيم القاعدة.
ولاستكمال السيناريو المفبرك وقبل هجومها، عرضت على زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر فرصة لتسليم بن لادن وكبار معاونيه.
كانت أول القوات التي دخلت أفغانستان، قوات شبه عسكرية من شعبة العمليات الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية.
عرضت طالبان تسليم بن لادن إلى بلد محايد للمحاكمة، إذا قدمت الولايات المتحدة الأدلة على تواطؤ ابن لادن في الهجمات.
ورد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قائلاً: "نحن نعلم أنه مذنب، قوموا بتسليمه".
وحذر رئيس وزراء بريطانيا توني بلير نظام طالبان قائلاً: “تخلوا عن بن لادن، أو تخلوا عن السلطة”.
وبعد ذلك بوقت قصير، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بغزو أفغانستان، وبالاشتراك مع تحالف الشمال الأفغاني، أسقطوا حكومة طالبان في حرب أفغانستان.
ومع تكرار تنفيذ العمليات الإرهابية داخل مصر، قررت الإدارة الأمريكية التوسع أكثر فى إنشاء منظمات المجتمع المدنى، خاصة عقب سقوط بغداد الذى نجحت فيه أمريكا وتدميرها للعراق حتى يومنا هذا، كان لا بد من الإسراع فى بدء تنفيذ مخطط برنارد لويس داخل مصر لأنها رمانة الميزان فى المنطقة العربية وبإسقاطها تسقط المنطقة بأكملها، فكان لا بد من تأهيل الشارع من خلال تدشين حزب “الغد” وحركة “كفاية” لإحداث حراك سياسى بالشارع المصرى، وإحداث حالة احتجاج، وكان لا بد من تدريب الشباب على عمليات الاستقطاب وسيكولوجية حشد الجماهير، فتم تأسيس أكاديمية التغيير، فهى واحدةً من المؤسسات التي عملت في اتجاهين مضادين في الوقت نفسه، إذ سعت إلى توجيه الشباب العربي في دولٍ كالبحرين ومصر حتى يقوموا باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتجمع، وحثّ بعضهم على مطالبات تمسّ الحريات العامة وغيرها، لكن من خلال نشر مفهوم "العصيان المدني".
الأكاديمية، التي تأسست في لندن العام 2006، وترأسها هشام مرسي، زوج ابنة يوسف القرضاوي وأحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، جاءت في سياق ما سمّي "مشروع النهضة" المدعوم من الدوحة، ويديره جاسم السلطان، أحد مؤسسي جماعة الإخوان في قطر، وعرّاب مراجعاتها السياسية خلال تسعينيات القرن الماضي.
موقع "النهضة"، الذي يحمل شعار "إطلاق ممكنات الإنسان"، يصف مهمة المشروع بأنها "سعي إلى توصيف هوية ثابتة للدولة، تقوم على إنتاج المعرفة والاعتزاز بهذه الهوية".
ورغم التناقض الداخلي الذي يكمن في فكرة إنتاج المعرفة والاعتزاز بهوية ثابتة ربما تكون طائفية أو سياسية مثلاً، إلا أنّ التناقض الأكثر وضوحاً، يتمثّل في أكاديمية التغيير نفسها، المنبثقة عن مشروع النهضة.
تقوم هذه الأكاديمية بعمل برامج تدريبية للشباب، تسعى إلى ترسيخ مفاهيم "اللاعنف"، و"العصيان المدني"، و"الفوضى الخلاقة"، إضافة إلى تصنيع الثورات وتمكين العقل الثوري، كما هو مطروح ضمن موقعها الإلكتروني، لكن المثير للجدل هو أن تسعى مؤسسة، تقبض رسوماً رمزية لتدريب الشباب "500 دولار يتم إيداعها في مصرف قطر الإسلامي" - حيث تمت دعوتى لهذه الدورات - وتمتلك مكاتب في عدة دولٍ أجنبية وعربية، إلى تأطير وتوظيف مثل هذه المفاهيم "اللحظية" التي غالباً ما يتم توليدها في الشارع وفقاً لاحتجاجات الشعوب وإرادتها العامة، دون الأخذ بالاعتبار اليوم التالي للتغيير المزعوم.
ويبدأ التناقض من هذه النقطة، حين تتم عملية التخطيط والدعم والتمويل لاحتجاجات شعبية سواء كانت عنيفة أم غير عنيفة، ليتم وضعها في إطار محدد يخدم مصلحة الجهة الداعمة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى مقولة وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم: التى تؤكد ما سبق وذكرته فى عدة تحقيقات صحفية منذ عام 2008 حتى حلقة 2 فبراير 2011 عبر قناة “المحور” من خلال برنامج “48 ساعة” مع الإعلاميين سيد علي وهناء السمري "الشعب يريد تغيير هذا الشخص مثلاً، ونحن نساعد الشعوب المظلومة"، مقولة بن جاسم، التي تظهر ضمن برنامج وثائقي نشره تلفزيون البحرين على قناته في موقع “يوتيوب” بتاريخ 21/8/2017 بعنوان "أكاديمية التدمير" تبدو مقولة عامة أيضاً، من باب الإجماع الشعبي وربط عملية التغيير باستبدال أو تنحية شخص واحد محدّد دون أية رؤى برامجية أو فكرية أو حتى مطلبية واضحة، وفي هذا إشارة إلى تبنّي التغيير كعملية هدم، دون وضع أسس لأي بناء لاحق.