الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المحروسة .. "المبروكة"

عمر الأحمد - كاتب
عمر الأحمد - كاتب وصحفي إماراتي

المحروسة .. "المبروكة"

يحكى في المرويات الشعبية والتي يتداولها العامة بشكل واسع، أن نوحا عليه السلام عندما ركب السفينة ومن معه ممن آمنوا به، طاف ببلدان الدنيا فوجد على كل بلد نفرٌ من الملائكة يحرسونها، إلا مصر، فلما سأل ربه عن السبب، أخبره أنه تولى حراسة مصر بنفسه. وبغض النظر عن صحة القصة من عدمها، إلا أنه من الواضح أن أهل مصر قد آمنوا بصحة هذه القصة على أرض الواقع حتى وإن كانت بلا مرجع أو إسناد. والشواهد التاريخية التي تثبت بركة هذه الأرض وأنها رغم أهوال الدنيا، إلا أنها ظلت صامدة أبية تفيض بخيرها وطيبها على من اقترب منها وطلبها.
أثار في الأيام القليلة الماضية ما كتبه الدكتور تركي الحمد الأستاذ السابق للعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، عن أزمة مصر الاقتصادية الحالية ومسبباتها، ولن أخوض في هذا الجدال حول رأي الدكتور الحمد، إلا أنني سأقول ما أعرفه عن مصر المبروكة، التي تحدت الأزمات بشتى أنواعها وأشكالها، وتبهرنا دائما في عودتها أقوى من ذي قبل. مصر بعد العدوان الثلاثي ونكسة 1967، عادت أقوى في حرب 1973 بقيادة الرئيس الشهيد أنور السادات، وأقوى بسلامها مع إسرائيل 1978، حيث شهدت مصر بعد ذلك استقرارا سياسيا وانتعاشا اقتصاديا وتنمويا كان أثره واضحا في فترة التسعينات. ثم أتت فترة الكساد السياسي والاقتصادي خلال فترة حكم الإخوان لمصر لمدة عام، فكان لهذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر والعرب أجمع، تأثيرها البالغ على انكماش مصر السياسي وتأثيره على الصعيدين العربي والعالمي، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية خلال تلك الفترة. وبعزم وقوة المصريين، أنقذوا مصر من حكم الإخوان، وردة فعل هذه العصابة البائسة من تحريك خلاياها الإرهابية وبالتحديد في سيناء والقيام بعمليات إرهابية راح ضحيتها شهداء من أبناء مصر سواء عسكريين أو مدنيين، وبإرادة الأبطال المصريين تم تطهير الأراضي المصرية من الإرهاب وعادت المحروسة القوية. وثم غزا العالم فايروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أواخر 2019 ومطلع 2020، ليعيش العالم على إثره من انكماش اقتصادي وأزمة صحية هزت العالم لمدة تزيد على العامين، وبعدها مباشرة دخل العالم في مثلث الأزمات (الغذاء، الطاقة، والسيولة) جراء الحرب الروسية الأوكرانية. بالتالي فإن الأزمة الاقتصادية لم تؤثر على مصر فقط، بل أن أغلب دول العالم تعرضت لهزة اقتصادية عنيفة منها الدول الصناعية البحتة، أو تلك ذات المتانة الاقتصادية كبريطانيا التي تواجه هبوطا تاريخيا في مستويات المعيشة، ومعدل التضخم بها فاق 10%، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة، وانخفاض تاريخي لقيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بنسبة 4%. وبحسب نشرة للحكومة البريطانية، فإن الاقتصاد البريطاني لن يعود كالسابق قبل 2027. والحال في فرنسا لم يكن أفضل، بل أن الإضرابات المهنية لم تتوقف بسبب تدني الأجور، منها، إضراب الأطباء، وإضراب العاملين في قطاع القطارات. تلك أمثلة من دول اقتصادية وصناعية رائدة، بالتالي، ليس الاقتصاد المصري وحده من يعاني خلال هذه الأزمة الاقتصادية. إلا أن مصر مستمرة في محاولة علاجها بشتى الطرق الممكنة.
 
ولو مر أي بلد آخر بما مرت به مصر، لانهار كليا كما حصل مع دول أخرى دخلت في دوامات الإفلاس وضياع الأمن، وظلام التخبط السياسي، والأمثلة كثيرة ومعروفة، دون الحاجة لاستعراضها. كما أن لمصر حالة فريدة وخاصة في كرمها وحنانها على شعوب العالم، بالرغم من التضخم السكاني الذي تعانيه إلا أنها لم ترفض استقبال اللاجئين والمهاجرين يوما، بشتى أعراقهم وأطيافهم ومشاربهم، فترى فيها العربي والأفريقي والأوروبي وحتى الأمريكي، غادروا أراضيهم ليعيشوا في مصر. وإذا عُرف السبب بطُل العجب، لذلك لم استغرب تصديق بعض المصريين لقصة النبي نوح عليه السلام، فمصر رغم ما مرت به من أزمات عبر تاريخها، إلا أنها تتحمل وتمضي قدما وتعود أقوى فأقوى، حفظ الله مصر للمصريين وللعرب، فهي "قلب العرب النابض" كما أسماها والدنا الشيخ زايد طيب الله ثراه، وإن مات القلب.. مات الجسد.