الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"إِنَا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ"|أسرار عداء متطرفي الغرب مع كلام الله.. القصة بدأت من 482 عاما والقرآن محفوظ بالعناية الإلهية

المصحف الشريف
المصحف الشريف

تواصل المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر والعالمين العربي والإسلامي، استنكارها وإدانتها لمحاولات تدنيس المقدسات الإسلامية، وتكرار وقائع "حرق المصحف" للنيل من القرآن الكريم كأحد أهم مقدسات المسلمين.

الأمر الذي وصفته عديد من المؤسسات بالجريمة النكراء والخطة الممنهجة والراسخة في عقيدة الغرب منذ مئات السنين، وتعود بين الحين والآخر لتجدد وتؤجج مشاعر الكراهية والغضب تجاه القارة العجوز ومزاعم الحريات وحقوق التعبير واحترام الأديان بها.

فعل متكرر

فلا يقتصر على السويد، بل هو فعل متكرر عبر السنوات الأخيرة الماضية، بدءًا من 2011م، عندما قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق المصحف الشريف، وتكرر الأمر في بريطانيا في العام نفسه، ثم تكرر في فرنسا والنرويج وهولندا وألمانيا والدنمارك في فترات متباينة.

وأعادت جريمة أحد المتطرفين السويدين بحرق نسخة المصحف الشريف، والذي تبعه اثنين من المتطرفين في هولندا والدنمارك، الذاكرة بشأن هذه الجريمة التي لا تراعي قدسية الكتاب الخاتم، حيث يحظى القرآن الكريم بمكانة خاصة لدى المسلمين كمعجزة إلهية ومصدر أساسي فيما يتعلق بحياتهم وواقعهم وآخرتهم، ورغم أن القرآن الكريم كوحي تعهد المولى تبارك وتعالى بحفظه قائلاً:"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ"، إلا أن الدفاع عنه مسؤولية عظيمة على عاتق كل مسلم.

جرائم حرق لا تنتهي عند الغرب

تعود أول واقعة لحرق القرآن لدى الغرب إلى عام 1530، حيث بدايات ترجمة القرآن الكريم إلى اللاتينية إحدى اللغات الأوروبية، وذلك حينما ظهرت في البندقية أول ترجمة لاتينية له، ليصدر البابا كليمنت السابع مرسوما بإحراق هذه الطبعة. 

وصدرت على إثرها قرارات من محاكم التفتيش الإسبانية بحظرأى ترجمات لاتينية للقرآن، وفي عام 1541 قام ناشراً يدعى يوهانز اوبورينوس من مدينة بال بسويسرا، بطباعة ترجمة لاتينية كان قد انجزها روبرت كيتون في القرن الثاني عشر، لتصادر هذه الطبعة بأكملها قبل أن تعود في العام التالي بدعمٍ من زعيم الحركة الإصلاحية للكنيسة الكاثوليكية مارتن لوثر، الذي عارض مصادرتها، معلناً أن نشر ترجمة القرآن إلى اللاتينية ومعرفة محتواه مفيدة للمسيحية وتلحق الضرر بالمسلمين.

وفي القرن السادس عشر أحرقت نسخة المصحف من قبل كنيسة بروتستانتية في مدينة جينزفيل، فلوريدا الأمريكية، وإثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 اطلق تيري جونز قس الكنيسة الكاريزمية بجينزڤيل، دعوة بعنوان “يوم حرق القرآن”، في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ومع تجدد وقائع الحرق التي تشهدها أوروبا حاليا، كان لمرصد الأزهر الشريف تأكيده على منهجية هذه الجرائم ممنهجة، موضحا أن قضية حرق المصحف هي أمر مقصود يكشف لنا، رغبة عدائية واضحة ونية صريحة في استفزاز المسلمين، ذلك أن هذا الأمر لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه اعتراض مقبول على موقف معين قام به شخص أو عدة أشخاص مسلمين، بل هو نية مبيتة للهجوم على كل المسلمين في العالم. ومما يؤكد هذا أن تيري جونز –على سبيل المثال- ذكر ذات مرة في مؤتمر صحفي له أنه لم يقرأ القرآن أبدًا.

العهد الأخير للبشر

يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على قلب سيدنا محمد المتعبد بتلاوته، المجموع في المصحف الشريف المعروف، الذي يفتتح بسورة الفاتحة ويختتم بسورة الناس، ونص القرآن الأصلي باللغة العربية، وهو الكتاب الخاتم والعهد الأخير للبشر الذي نزل على خاتم النبيين، ونزل القرآن منجما على مدى 23 عاما منها 13 عاما في مكة و10 أعوام في المدينة.

وأشار إلى أن القرآن الكريم مكون من وحدات منفصلة تسمى كل وحدة «سورة» وتتكون السورة من مقاطع كل مقطع منها يسمى «آية» ونزل قبل هجرة النبي ﷺ 86 سورة تسمى سورة مكية، وبعد الهجرة 28 سورة تسمى مدنية، وإجمالي عدد سور القرآن الكريم 114 سورة، موضحاً أن عدد آيات القرآن الكريم 6236 آية بغير احتساب البسملة وهي ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾  في 112 سورة، لأن البسملة آية محسوبة من سورة الفاتحة، وسورة براءة [التوبة] لا تبدأ بالبسملة، وباحتساب البسملة في بداية كل السور عدا سورة براءة يكون عدد الآيات 6348.

وبين أن جذور القرآن نحو 1810 جذور تمثل جذور الكلمات القرآنية، في حين أن معجم لسان العرب لابن منظور يشتمل على نحو ثمانين ألف جذرًا، أي أن جذور القرآن تمثل نحو اثنين في المائة (تماماً 2.25%) من العربية، وعدد كلمات القرآن الكريم 77934 كلمة، منها 1620 كلمة لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، ويقول بعضهم إن الأديب الروسي تولستوي لم يكرر 4 كلمات في كتابه الحرب والسلام، فعُد ذلك من بلاغته وتمكنه اللغوي، فإذا صح ذلك، فإن هذا التفرد في القرآن الكريم بهذا العدد الضخم من الألفاظ غير المكررة يكون معجزة بمعنى الكلمة. تضاف إلى وجوه إعجازه التي تخرجه عن نظام كلام البشر. وعدد حروف القرآن 323670 حرفا.

السجلات السوداء في تاريخ التعصب والكراهية

الأزهر الشريف، الذي أدان واستنكر بشدة إقدام مجموعة من الإرهابيين التابعين لليمين المتطرف السويدي على حرق المصحف الشريف، في مشهد متكرر يدل على تواطؤ السلطات السويدية مع هؤلاء المجرمين في محاولة للإساءة المتكررة والمتعمدة للمقدسات الإسلامية واستفزاز المسلمين حول العالم، أكد أن هذه الأفعال الإجرامية الصادرة من الهمج لن تنال من حرمة المصحف الشريف في قلب إنسان متحضر، وسوف يظل في عليائه كتابًا هاديًا للإنسانية جمعاء، وموجهًا لها لقيم الخير والحق والجمال، لا تنال من قدسيته أحقاد الضالين المجرمين، ولا تصرفات باعثي التعصب والحقد والنفوس المريضة، من أصحاب السجلات السوداء في تاريخ التعصب والكراهية وحروب الأديان.

وطالب الأزهر المجتمع الإنساني والمؤسسات الدولية وحكماء العالم، بالوقوف في وجه محاولات العبث بالمقدسات الدينية، وإدانة هذه الأفعال الإجرامية، ووضع حد لفوضى مصطلح "حرية التعبير" واستغلاله في سوق السياسات والانتخابات، وإساءة استخدامه فيما يتعلق باستفزاز المسلمين واحترام مقدساتهم، وفتح تحقيق عاجل حول تكرار هذه الحوادث التي لا تقل في خطرها عن مردود الهجمات الإرهابية، داعياً في الوقت نفسه لمقاطعة المنتجات التي تستورد من هذه الدول. 

فيما قال مجلس حكماء المسلمين، إن الإقدام المنبوذ على حرق نسخة من المصحف الشريف، هو استفزازٌ واضحٌ لمشاعر ما يقرب من ملياري مسلم حول العالم، موضحًا أن التاريخ سيسجل هذه الجريمة النكراء في صفحات الكراهية والتطرف.

وأعرِب “حكماء المسلمين” عن رفضه لهذا السلوك الإجرامي؛ الذي يتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية ويبرهن على عنصريةٍ بغيضةٍ تترفَّع عنها كافة الحضارات الإنسانية، مؤكِّدًا أن مثل هذه الانتهاكات تعد وقودًا لخطاب التطرف والإرهاب، وتنال من جهود نشر قيم السلام والتعايش الإنساني، داعيًا إلى ضرورة وقف بثِّ خطاب الكراهية وإثارة الفتن، واحترام معتقدات الآخرين، وعدم الإساءة للمقدسات الدينية.