تلك الحيوية الدافقة في العروق، هذا القلب الذي يجد نشوته مع الموسيقي، ذلك الحس الذي يصاحب تفاصيل التعبير حركة وصوتًا ، صراخًا و همسًا، هذا العقل الذي يتقبل تناقضات الحياة واختلاف التقاليد والأفكار وتبدل الحال بين الأزمان، ويري الإنسان واحدًا في الأعماق، مهما اختلفت الملكات والخبرات والأساليب والثقافات، تلك النفس القادرة علي الاحترام و التفهم والاحتواء، وعلى التوافق مع حكمة الخلق في دنيا الله التي يبادل أيامها بين الناس، في حياة يتدافع فيها شر يحوي خيرا وخير ربما استحال شرًا، تلك الروح التي تفعل كل شئ بشغف و حب، و تجد متعتها في الحب اللامشروط، و تعايش آمال وآلام الناس، فتفرح و هي تعطي، و تفرح و هي تسعد.
تلك النفس المطمئنة التي تعلو علي الكراهية والتعصب والاقصاء، هذا الطفل الذي يوافق بين فطرته و ضميره وواقعه، الذي يتواصل مع نظيره بداخل الأنفس مهما اختلفت الأعمار و الأجناس و المكانة و الثروة، و يمد إليهم اليد الحانية في رفق و محبة، و تفهم و تسامح، والذي يعيش بين السطور، و تتقافز في ذهنه الدعابات، و تختلط فرحته بالدموع، فيبدع ما كان لا ينتظره، و يندهش عقله لعبقرية إحساسه، و تنطلق مواهبه في شتي مناحي الحياة والفن والفكر، ينيرها ويثريها، فالإلهام أعمق من فكر يلاحقه، أو حدس يفسره، تلك البهجة الغامرة سريعة الانتشار التي تحرك الروح فيمن حولها، ذلك الانسان الذي يشعل الأمل أن يتوقف الناس عن المظالم و القتل و الغدر و الزيف، ليجدوا سعادتهم مثلما وجدها في توافق العقل والروح والجسد، وفي تقبل واحترام الآخر، في التعلم والارتقاء من خلال التفاعل مع المشاكل والمصاعب بالألم البناء، وفي خوض مغامرة الحياة بترحاب غير مشروط، بجهد و تسليم، بإيمان و سكينة، برضا واطمئنان، بسخاء وإنماء، هي روح تبقي بسموها مهما زادت الآلام، و مهما توحش الخلق، تعيش بالمحبة، و تنتعش بالفرح، وترتقي بالعرفان علي سلم الاستنارة في تعلقها بالله، فالكل من لدنه، والكل إليه راجع.