شهدت جبال مكة المكرمة السعودية، ظهور مناظر لم تشهدها مكة المكرم من قبل على مَر السنوات الماضية القريبة، ورأى البعض أنها من علامات الساعة النبي أخبر عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتوشحت جبال مكة باللون الأخضر عقب الأمطار التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، وتزاحمت الصور والمقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي، وربط البعض هذا المنظر بالحديث الذي روي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً». المروج هي الجنات والبساتين الخضراء.
في هذا الحديث السابق يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات قرب يوم القيامة أنه يكثر المال، فيفيض حتى يبقى منه بايدي ملاكه ما لا حاجة لهم به، وتعم الثروة في أيدي الناس جميعا، فلا يحتاج أحد إلى الزكاة، حتى يجتهد رب المال في البحث عن شخص فقير من أهل الزكاة، يقبل منه زكاة ماله، فلا يجد من يقبلها؛ وفي رواية أخرى في الصحيحين: «حتى يهم رب المال» أي: حتى يشغل صاحب المال «من يقبل صدقته»؛ لغنى الناس جميعا، «وحتى يعرضه، فيقول المعروض عليه: لا أرب لي»، أي: لا حاجة لي في هذه الصدقة؛ لأنه صار غنيا ومعه مال، وقيل: يصير الناس راغبين في الآخرة، تاركين الدنيا، ويقنعون بقوت يوم، ولا يدخرون المال.
وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لن تقوم الساعة حتى تصير وترجع جزيرة العرب مروجا، والمرج هو الأرض الواسعة ذات نبات كثير يمرح فيه الدواب، وتكثر بها المياه العذبة الصالحة للشرب والري. وحاصله: أن المراد بذلك إقبال العرب على استثمار أراضيها، وإحيائها، بإجراء الأنهار، وغرس الأشجار، وزرع الحبوب، وتركهم الارتحال والتنقل من مكان إلى مكان طلبا للكلأ، على ما كانت تجري به عادتهم معتادا. وفي الحديث: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم.
إمام الحرم المكي يعلق
علق الدكتور عبدالله بن عواد الجهني، إمام وخطيب الحرم المكي على ظاهرة اكتساء جبال المملكة العربية السعودية بالنباتات والأشجار الخضراء، التي راجت خلال الأيام الماضية في ظاهرة وصفها البعض بإحدى علامات الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
علامات الساعة الصغرى
وقال خطيب الحرم المكي في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم من المسجد الحرام " إننا في هذه الأيام نتقلّب في نعمٍ من الله وافرة وخيرات عامرة ، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضرّ، فتح لنا أبواب السماء، فعمّ بغيثه جميع أرضنا، فامتلأت السدود والوديان والنخيل والآبار وارتوت الأرض، فاللهم زدنا من فضلك ورحمتك فانه لا يملكها الا انت ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق.
وأشار خطيب الحرم المكي إن الدنيا دار ابتلاءات ومحن والحصيف من تحرز لنفسه ولدينه حتى لا يقع في الفتن ولينجو منها ، واعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فاثرها على الاخرة ، ورضي بها من الاخرة، فمن اعتصم بحبل الله واستنار بنور الله وتمسك بكتاب الله استقام ونجا ، ومن أفلت السبب وأغمض عينه عن النور وصدَّ عن الصراط المستقيم ، تاه وهلك والعياذ بالله تعالى، وفي هذه الدنيا يسبح الانسان في بحر الحياة بين أمواج الهواجس والأفكار والوساوس والظنون والأهواء والشهوات وأعاصير الأعراض، والذى خلق الإنسان وخلق فيه أفكاره ووساوسه وغرائزه ، وخلق الأعراض التي تحيط به ، لم يغفل عنه ولم يُهمله ، بل أعطاه عقلاً وبصيرة ، وأرسل إليه رسولاً وأنزل عليه نظاماً يوجهه في مسيرته في هذه الحياة ، ومد له سبياً متصلاً بشاطئ النجاة وفيه عروة وثيقة لا تفصم، فهو كمثل زورق في بحر لجى يرفعه الموج ويخفضه ، وتُحركه الرياح يميناً وشمالا ، فلا بد له من يُوصله ويحدد اتجاهه ، ولا بد له من ربان ماهر يعرف الممرات يسير به إلى اتجاه المرسى ، فإذا لم يكن كذلك ضَلَّ في المتاهات وغرق .
وأشار خطيب الحرم المكي قائلاً: من هذا المثل نتعرف على الازدواجية والاختلاف في هذا الزمن ، فقد كثر العلم وانتشر الجهل، وكثرت الأموال وزاد الفقر، وتطور الطب وفشت الأمراض، كثر العلم فى النظريات والصناعات والفلسفات، ولكن كثر الجهل بواجب الإنسان ورسالته في هذه الحياة ، فصار العلم بدون تقوى ، وعلى غير هدى . فاستغلت العلوم لغير ما خُلقت له ، خُلقت لتكون دليلاً على قدرة خالقها ووحدانيته ، ولتكون رابطة بين الإنسان وخالقه ، خُلقت لتكون عوناً للإنسان على طاعة ربه ، ولكن العلم بعيد عن هذا الآن إلا ما شاء الله، فقد استعملت بعض العلوم الآن للتخريب والتدمير والصد عن دين الله ، واستعباد الضعيف ، والسبب في ذلك فصل العلم عن الإيمان ، فإلى متى هذه الجهالة ؟ تطور الاقتصاد وكثرت الأموال فزادت النفوس شحاً وبخلاً ونهمة في جمع الأموال بالحلال والحرام ، بحق وبدون حق ، شارب ماء البحر كلما زادشرباً ازداد عطشا. فبعض الناس ينفق مئات الألوف فى رحلة سياحية ، ولكنه لا يواسي فقيراً ولا يعطف على يتيم ؛ والسبب فى ذلك الجهل بنظام الإسلام ، والجهل بالحسنى.
ونوه خطيب الحرم المكي بأن أعظمُ الازدواجية في حياتِنا هو الازدواجية في أمرِ دينِنا، نعلمُ الخيرَ ونأتي منه ما أردْنا، ونعلمُ الشرَ ونجتنبُ منه ما شئنا، نعلمُ الهدى ولا ندخلُ فيه كلِه، ونعلمُ الضلالَ ولا نخرجُ منه كلِه، اعتمادُنا على رحمةِ اللهِ تعالى ومغفرتِه ، وكأننا لا نقرأُ القرآنَ ، فلما ذكرَ اللهُ تعالى أن رحمته وسعت كل شي، ذكرَ أهلَها وأحقَ الناسِ بها، قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) فاتقوا الله يا أمة الإسلام : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْتَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِنَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا ) اللهم بارك لنا فى القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولى هذا ، وأستغفر لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.