لا شك أنه في ظل ما نعيش من أجواء الشتاء الباردة والممطرة ، ومع اشتداد المطر ونزوله بغزارة ، فهذا يطرح سؤال هل المطر الشديد غضب من الله أم خير ؟، لعلنا به نستبشر ونطمئن أو ننتبه ونفيق من غفلتنا بفتن الدنيا ، فيحمل لنا المطر العظة والعبرة، من هنا ينبغي معرفة هل المطر الشديد غضب من الله أم خير ؟.
هل المطر الشديد غضب من الله
ورد عن حقيقة هل المطر الشديد غضب من الله أم خير ؟، أن لفظ (المطر) استخدم في القرآن غالبًا للعذاب، إلا أنه يستخدم أيضا في سياق الرحمة والغيث في مواضع قليلة، وثبت السنة بذلك الاستخدام ، دون تفرقة ، ولا بأس باستخدامه في الكلام العادي، ولا كراهة فيه بوجه ؛ لأنه استخدم في السنة ولغة العرب كذلك، وعن البخاري في صحيحه، (6/ 62): " باب قوله: ( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) الآية 32 من سورة الأنفال.
وأورد فيه قول سفيان بن عيينة : ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا ، وتسميه العرب : الغيث ، وهو قوله تعالى: ينزل الغيث من بعد ما قنطوا"، والظاهر: أن غالب استعمال القرآن للفظ (المطر) في العذاب كما قال ابن عيينة، إلا أن العلماء استثنوا منه قوله تعالى: إن كان بكم أذى من مطر، قال الحافظ ابن حجر: " وقال ابن عيينة: ما سمي الله مطرا في القرآن إلا عذابًا ، يعني: ما أطلق المطر في القرآن إلا على العذاب .
وتُعُقِّب بقوله تعالى: ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر ، فتح الباري: (1/ 189)، وانظر نحوه، الإتقان، للسيوطي: (2/ 164)، ومعترك الأقران، له: (3/ 458)، ثانيًا: ما مضى من البحث والنظر إنما يتحرى معرفة أساليب البيان في القرآن ، وموارد استعمالات الكلمة فيه ؛ ليس هو بحثا عما يحل ويحرم ، أو يجوز أو لا يجوز من الكلام ، وإلا ؛ فإن استخدام لفظ المطر في لغة العرب، بل وفي السنة النبوية أيضا : جار في سياقات الرحمة ، كما هو جار في سياق العذاب .
فعن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: (قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي) ، رواه البخاري: (4147).
عن أنس، قال: قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى، رواه مسلم: (2/ 615)، وقريب من ذلك تفريق من فرق بين "أمطرت" ، و"مطرت"، والصواب أنه لا فرق بينهما ، من حيث الاستعمال ، في خير أو في شر .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا .
قَالَ أَنَسٌ: " وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ !!، رواه البخاري (1014) ، ومسلم (897) .
قال النووي رحمه الله : " قَوْلُهُ : ( ثُمَّ أَمْطَرَتْ ) : هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ، وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ : ( أَمْطَرَتْ ) ، بِالْأَلِفِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، أَنَّهُ يُقَالُ : مَطَرَتْ ، وَأَمْطَرَتْ ؛ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وأمطرنا عليهم حجارة)، وَالْمَشْهُورُ : الْأَوَّلُ . وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ " انتهى ، "شرح مسلم" للنووي (6/192) ، فخلاصة الأمر : أن لفظ (المطر) استخدم في القرآن غالبًا للعذاب، إلا أنه يستخدم أيضا في سياق الرحمة والغيث في مواضع قليلة، وثبت السنة بذلك الاستخدام ، دون تفرقة ، ولا بأس باستخدامه في الكلام العادي، ولا كراهة فيه بوجه ؛ لأنه استخدم في السنة ولغة العرب كذلك .
وعن هل المطر الشديد غضب من الله أم خير ؟، ورد أن الأصل في المطر أنه نعمة من الله تبارك وتعالى يسقي به البلاد والعباد ويجعله بلاغا للحاضر والباد يسقي به الحرث وينبت به الزرع ويدر به الضرع قال سبحانه {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} لكن ليس لأحد أن يتألى على الله فيقول هو نعمة أو نقمة؛ لأنه في الوقت الذي قد يكون فيه نعمة لاقوام قد يكون نقمة لآخرين، بل وحتى من وقعت له بسببه مصيبة او كارثة لا نتألى على الله فنقول هو عقوبة، فقد يكون نعمة وابتلاء يرفع الله به الدرجات ويكفر به السيئات وقد يكون عقوبة ونقمة ينتقم الله به من بعض العباد لذلك الذي يموت بالمطر قد يكون الله شاء له ان يموت بالغرق ليكتب له أجر الشهيد، وقد يكون أخذه الله ليريح منه البلاد والعباد، فلا يصح الجزم بشيء ( اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق تسقي به البلاد وتحيي به العباد وتجعله بلاغا للحاضر والباد) .
وجاء أن المطر نعمة من الله سقوط المطر في حد ذاته ليس هو الهدف وإنما نتيجته هى الأساس فالرزق ليس في نزول المطر من السماء وإنما إنبات النبات وسقيا الحيوان وكل إفادة تتحصل من المطر هو الرزق والرزق من الله تعالى فعلى العباد أن يتوكلوا على الله وحده ويسألوه الفائدة، وقد يمنع الله المطر عن الناس لمعاصي انتشرت بينهم أو ليلجأوا إليه ويتضرعوا بالدعاء للخالق عز وجل المطر غضب من الله بل ان الله تعالى قد يعذب قوما أو يبتلي قوما بكثرة الأمطار؛ كما حدث ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما جاءه رجل فقال: يا رسول الله انقطع المطر وهلكت الزروع والأموال فادعو الله يغيثنا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فنزل المطر، ثم جاء في الجمعة التالية فقال: يارسول الله هلكت الزروع والأموال فادعو الله يرفعها عنا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فقال: اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية.
و استخدام كلمة المطر في القرآن استخدم القرآن كلمة "المطر" فيما يدل على العذاب، كما في قوله تعالى: {إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} وقد يكون الماء النازل من السماء، سبب لوجود الرزق لقوله تعالى كما في قوله تعالى {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}.
وورد أنه قد يكون لسقيا الناس والعباد والكائنات {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ...} كما قد يكون الماء لإذهاب رجز الشيطان وتطهير الناس كما في قوله تعالى "قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} استعمال كلمة الغيث في القرآن من ناحية أخرى، استعمل القرآن كلمة "الغيث" فيما يدل على النفع العام للناس.
وجاء في قوله: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} الأسباب التي تؤدي إلى الغيث الإستقامة لقوله تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة لأسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا} وكذلك تقوى الله والخوف منه لقوله "{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء والأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكذلك الإستغفار يؤدي إلى الغيث لقوله {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وجود البهائم: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولولا البهائم لم يمطروا».