شروط موسكو .. ضم أقاليم وتقليم أظافر لأوكرانيا
أمريكا مازالت تدرس شروط وآليات وقف الحرب
كل الأوراق في يدها.. الصين وسيطا للأزمة الأوكرانية باتفاق الجميع
"يلوح السلام بين روسيا وأوكرانيا في الأفق في العام الجديد" ... تلك كانت هي التوقعات الإيجابية الوحيدة التي نشرتها صحف العالم حول مستقبل الحرب الأوكرانية الروسية خلال عام 2023، ولكنها لم تكن مقولة عن مركز بحثي أو مسئول أممي، ولكنها كانت نبوئة مجموعة من الشامان والمعالجين – يمارسون طقوس أقرب للسحر - في ليما عاصمة بيرو بأمريكا الجنوبية.
ولكن كانت الضبابية والاستعداد للسيناريو الأسوأ البذي لم يأتي بعد، هي السمة المشتركة لكافة التقارير الصحفية والبحثية التي تم نشرها خلال الأسبوع الأخير عند الحديث عن مستقبل تلك الحرب في العام الجدد 2023، حيث اتفقت تلك التحليلات أنه حتى الآن لا يملك أي طرف من أصحاب التأثير في تلك الحرب، من حسم المعركة لصالحه، أو إجبار الأطراف المتصارعة للجلوس من حيث المبدأ على طاولة المفاوضات.
شروط موسكو .. ضم أقاليم وتقليم أظافر لأوكرانيا
ووفقا لما توافقت عليه كافة التحليلات والموضوعات الصحفية حول العالم عند الحديث عن مستقبل تلك الحرب في 2023، فإن هناك تباعد شديد بين رؤية الأطراف المؤثرة في قرار انهائ الحرب للخروج من تلك المعركة المدمرة لاقتصاد العالم، وليس لروسيا وأوكرانيا فقط، وبالطبع يأتي الحديث عن شروط روسيا في المقدمة، وذلك كونها هي صاحبة قرار البدء في الحرب، ووفق أهداف معلنة، تعتبرها شروط أساسية لوقف النزاع المسلح.
وتتمحور الشروط الروسية لوقف الحرب حول البنود الأساسية التالية:
• تعديل الدستور الأوكراني بحيث يتضمن نبذ الانضمام لأي تكتل عسكري.
• وقف العمليات العسكرية والاعتراف بشبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا كأراضٍ روسية.
• نزع كافة أنواع الأسلحة في أوكرانيا والقضاء على النزعات "النازية والقومية والشوفينية" فيها.
• الاعتراف بسيادة واستقلال المناطق الخمس التي انضمت إلى روسيا في عامي 2014 و2022 كأجزاء مكونة من الاتحاد الروسي، وبالتالي اعتراف كييف بالحدود الجديدة الناشئة نتيجة لذلك بين روسيا وأوكرانيا.
• تخلي أوكرانيا عن حيازة ونشر الأسلحة النووية، ووسائل إيصالها من الدول الأجنبية، والامتناع عن إقامة قواعد أجنبية على أراضيها، وتثبيت ذلك دستوريًّا.
• عدم إطلاق النار على محطات الطاقة النووية أو المنشآت المدنية التي تستخدم مواد مشعة لأغراض علمية، والامتناع عن الحصول على أي أنواع من أنظمة الدفاع الصاروخي الأجنبية أو أي أنظمة تفوق سرعة الصوت.
• حل جميع الجماعات والتشكيلات "النازية الجديدة، والقومية المتطرفة" على أراضي أوكرانيا، والحد من عدد القوات المسلحة لأوكرانيا إلى ما مجموعه 50 ألفا من أفراد القوات البرية والجوية والبحرية.
• حرمان أوكرانيا من إمكانية شن "عدوان أو هجوم واسع النطاق على البلدان المجاورة، على سبيل المثال، روسيا وبيلاروسيا".
• ضمان قيام الجانب الأوكراني بدفع تعويضات "لجميع مواطني الاتحاد الروسي، بما فيها الخمسة أقاليم الجديدة، عن الخسائر في الأرواح، والإصابات، والتدمير الجزئي أو الكامل لمنازلهم، فضلاً عن البنية التحتية الحيوية، بدءًا من نهاية فبراير 2014".
• قيام كييف بتسديد جميع الديون والقروض المالية والتجارية والاقتصادية التي تم اقتراضها من روسيا منذ عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
شروط أوكرانيا الـ10
فيما يروج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لخطة سلام من 10 نقاط ناقشها مع الرئيس الأميركي جو بايدن من بين آخرين، ويحث زعماء العالم على عقد قمة عالمية للسلام بناء على تلك الخطة، حيث أعلن زيلينسكي للمرة الأولى صيغته للسلام في قمة في نوفمبر لمجموعة العشرين، وتدعو الخطة إلى:
• السلامة الإشعاعية والنووية، بالتركيز على استعادة الأمن حول أكبر محطة نووية في أوروبا وهي محطة زابوريجيا في أوكرانيا التي تخضع حاليا للسيطرة الروسية.
• الأمن الغذائي، بما يشمل حماية وضمان صادرات الحبوب الأوكرانية لأفقر الدول في العالم.
• أمن الطاقة، بالتركيز على قيود الأسعار على موارد الطاقة الروسية إضافة إلى مساعدة أوكرانيا في إصلاح وتأهيل البنية التحتية للكهرباء التي تضرر نحو نصفها من الهجمات الروسية.
• الإفراج عن كل السجناء والمُبعدين بما يشمل أسرى الحرب والأطفال الذين تم ترحيلهم لروسيا.
• إعادة وحدة الأراضي الأوكرانية وتأكيد روسيا عليها بموجب ميثاق الأمم المتحدة في بند قال عنه زيلينسكي إنه "غير قابل للتفاوض".
• سحب القوات الروسية ووقف العمليات القتالية وإعادة الحدود بين أوكرانيا وروسيا لسابق عهدها.
• العدالة، بما يشمل تأسيس محكمة خاصة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب من روسيا.
• منع إبادة البيئة الطبيعية والحاجة لحماية البيئة بالتركيز على إزالة الألغام وإصلاح منشآت معالجة المياه.
• منع تصعيد الصراع وبناء هيكل أمني في الفضاء اليورو-أطلسي بما يتضمن ضمانات لأوكرانيا.
• تأكيد انتهاء الحرب من خلال توقيع وثيقة من كافة الأطراف المعنية.
أمريكا مازالت تدرس شروط وآليات وقف الحرب
وعن موقف الولايات المتحدة الأمريكة، ففي العلن، تقول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إن الدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب بشكل نهائي، وإلى أن يغير الرئيس فلاديمير بوتين موقفه، فإن أفضل طريقة لتحسين آفاق السلام العادل والدائم، وتعزيز آفاق الدبلوماسية، هي الاستمرار في تقديم الدعم القوي لأوكرانيا، ويصحب ذلك تكرار لكلمات تتوافق مع رؤية الرئيس الأوكراني، مع التأكيد أن الأمر يعود لأوكرانيا في شروط انهاء الحرب، لكن لا يمكن لأوكرانيا استكمال الحرب دون مساعدات أمريكا حيث أن هناك اعتماد شبة كاملة على العتاد والأسلحة والمساعدات والمعلومات الاستخباراتية الأميركية.
وولكن الأخبار المتناثرة في التقارير الصحف الغربية، تتحدث أنه في السر، يفكر المسؤولون الأميركيون، وفق مراقبين، في الشكل الذي قد تبدو عليه شروط وقف القتال، بعيدا عما يقوله الرئيس بايدن من أن الأمر متروك للرئيس الأوكراني زيلينسكي "ليقرر كيف يريد أن تنتهي الحرب"، وهي مقولة تتجاهل حقيقة إنه دون الدعم الأميركي لا يمكن للجيش الأوكراني الصمود في جبهات القتال.
ردود الفعل على شروط الأطراف الفاعلة لإنهاء الحرب
وما دفع كافة التقارير للحديث عن رؤية ضبابية لمستقبل الحرب خلال 2023، بل والحديث عن أن السيناريو الأسوا لم يأتي بعد، هو ما رصدته من ردود أفعال الأطراف الدولية عن تلك الشروط، حيث كان هناك رفض متبادل بين روسيا وأوكرانيا لشروط الطرف الآخر، وأخرها رفض روسيا مقترحات السلام التي طرحها زيلينسكي هذا الشهر، حيث أكدت موسكو أنها لن تتخلى عن أي أراض استولت عليها بالقوة، والتي تشكل حاليا نحو خُمس مساحة أوكرانيا، وتقول إنها ضمتها بالفعل، فيما كان موقف أمريكا في العلن تأييد رؤية أوكرانيا، وفي الخفاء دراسة سيناريو واقعي.
ولكن الأكثر وضوحا كان حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث قال إن فرص إجراء أي محادثات سلام في أي وقت قريب ضئيلة في الفترة المقبلة، وأضاف في آخر تصريحاته في عام 2022، "أعتقد أن المواجهة العسكرية ستستمر وأعتقد أننا سنضطر للانتظار أكثر لتوقيت يمكن فيه أن تكون المفاوضات الجادة من أجل السلام ممكنة".
توازن عسكري لا يبشر بحسم عسكري لطرف على الآخر
فيما حاول معهد توني بلير للتغيير العالمي رسم رؤية حول مستقبل الصراع في 2023، وذلك عبر بحث الموقع العسكري للطرفين، وقدرة أحد الأطراف على حسم المعركة على الأرض، وذلك بعد مرور ما يقرب من عشرة أشهر من بداية الغزو الروسي، وكانت استنتاج تلك الدراسة أن الحرب في أوكرانيا متوازنة بشكل غير مستقر، ولا يمكن لطرف أن يحسم المعركة على الأرض عسكريا.
وأكدت الدراسة التي أعدها عدد من باحثي المعهد، أنه لا يمكن لروسيا الآن أن تكسب الحرب وفقًا للشروط التي وضعت في الأصل لتحقيقها، وفي ذات الوقت فإن بوتين مستثمر شخصيًا في الحرب لدرجة أنه لا يستطيع تحمل خسارتها ووقفها، على الجانب الآخر، فإن أوكرانيا مجهزة بشكل جيد بما يكفي الآن لعدم خسارة الحرب، ولكنها ليست مجهزة بشكل كافٍ حتى الآن للفوز في الحرب بشكل نهائي، وإن كان أشار تقرير الدراسة إلى أن أداء أوكرانيا هذا الشتاء سيكون مؤثر على مستقبل الحرب، وأنه من الممكن أن تكون الهجمات في الربيع حاسمة في مسار الحرب في عام 2023.
كل الأوراق في يدها.. الصين وسيطا للأزمة الأوكرانية باتفاق الجميع
وإن كان الوضع العسكري من الصعب حسمه، ومع فشل آخر محاولات التفاوض بين روسيا وحلف الناتو تحت قيادة أمريكا، فإن أي نجاح لتفاوض سياسي يحتاج إلى وسيط لديه القدرة في فرض شروط على الطرف الروسي صاحب الجبهة المنفردة أمام الدول الغربية والنظام العالمي، وهنا نجد أن كافة التصريحات الغربية تتحدث بشكل واضح وعلني، عن أن الصين، هي الوحيدة القادرة على القيام بدور الوساطة لوقف الحرب.
ووفقا لما ترصده تحليلات المواقف ومقاييس المصالح، فإن الصين بالفعل تمتلك القدرة على لعب هذا الدور، بل وتمتلك أدوات الضغط على روسيا إذا تطلب الأمر، وفي ذات الوقت لديها مصالح يمكن أن تحققها من هذا الدور، فهي تمتلك أوراق الضغط التي يحتاجها أي مفاوض للإجبار الطرف الروسي "الأقوي" على الاستجابة للتفاوض وما يترتب عليه من نتائج، وكان هناك اجماع عالمي على أن روسيا كان لا يمكنها القيام بتلك الحرب لولا قيام الصين بدور الرئة التي يتغذى عليها الروس.
فقبل الحرب حضر الرئيس بوتين إلى الصين ومعه وفد من 54 شخصية ضمت كبار رجال الأعمال والصناعيين والتجار والمصرفيين والخبراء في شتى القطاعات، وتم التوقيع على عقود الاتفاقيات الاقتصادية اللازمة لتعويض ما يمكن أن تقوم به الدول الأوروبية والولايات المتحدة من عقوبات ومنع للاستيراد من روسيا.