أصبح الحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وسائل الإعلام ودوائر صنع القرار الغربية بل وحتى الحياة اليومية أمرًا اعتيادًا في الوقت الراهن، فمنذ العملية العسكرية التي أعلنتها روسيا في أوكرانيا شهر فبراير الماضي، تحول بوتين من مجرد رئيس دولة عملاقة بحجم روسيا إلى "بعبع" ينظر إليه الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة، على أنه تجسيدًا لـ"قيمه".
وعلى الرغم من هذه النظرة التبسيطية والتي تختزل الساحة الجيوسياسية العالمية في فضاء أخلاقي مثالي، وهو عكس ما تراه الولايات المتحدة التي تتبع المنهج البراجماتي وترى في مصلحتها أهم ما يحرك سياستها الدولية، إلا أن بوتين بالتأكيد سينضم إلى قائمة الأشخاص الذي تركوا أثرًا كبيرًا في التاريخ.
فمن هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبر ثاني أطول زعماء الكرملين بقاء في السلطة بعد جوزيف ستالين الذي ظل في الحكم طيلة 29 عامًا؟
فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين وُلد في الـ7 من أكتوبر للعام 1952 في لينينجراد السوفياتية، والتي أصبح اسمها منذ سبتمبر من العام 1991 سان بطرسبورج، لأب من قدامى المحاربين في الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية وفي معركة الدفاع عن لينينجراد ضد قوات النازي.
وسبيريدون بوتين، جد فلاديمير بوتين، كان الطباخ الشخصي لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين.
كان والد بوتين مجندًا في البحرية السوفياتية، حيث خدم في أسطول الغواصات في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية، خدم فلاديمير سبيريدونوفيتش بوتين في كتيبة التدمير التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية. فوي وقت لاحق، نُقل إلى الجيش النظامي وأصيب بجروح بليغة عام 1942. وكان عضوًا في الحزب الشيوعي منذ العام 1941.
والدة بوتين هي ماريا إيفانوفنا بوتينا، كانت عاملة في أحد مصانع لينينجراد ثم ممرضة في مستشفى. نجت والدته بأعجوبة من حصار قوات ألمانيا بقيادة المارشال فيلهلم ريتر فون ليب.
كان بوتين الابن الثالث والأصغر لأسرته، توفي شقيقاه الأكبران في طفولتهما وقبل ولادته، وهما ألبرت الذي توفي قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وفيكتور الذي توفي بسبب مرض الدفتيريا (الخناق) أثناء حصار ألمانيا النازية للينينجراد، ودُفن في مقبرة بيسكارفسكي.
في مطلع سبتمبر للعام 1960، بدأ بوتين الدراسة في المدرسة رقم 193 في باسكوف لين، بالقرب من منزله، وكان مشتهرًا بحدة ذكاؤه وذاكرته القوية.. بدأ في سن الثانية عشر بممارسة السامبو والجودو، ودرس اللغة الألمانية في مدرسة سانت بطرسبرج الثانوية 281.
درس بوتين القانون في جامعة ولاية لينينجراد التي سميت تيمنًا باسم آندريه زيجانوف في عام 1970 وتخرج منها في عام 1975. طلب منه في أثناء وجوده هناك أن ينضم إلى الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، وظل عضوًا فيه حتى زواله. التقى بوتين أناتولي سوبتشاك، وهو أستاذ مساعد كان يدرّس قانون الأعمال، وأصبح لاحقًا المؤلف المشارك للدستور الروسي ولمخططات الفساد المقموعة في فرنسا.
رجل المخابرات
في عام 1975، انضم بوتين إلى لجنة أمن الدولة وتدرب في لينينجراد. بعد التدريب، عمل في المديرية الثانية المتخصصة في مكافحة التجسس، قبل أن يُنقل إلى المديرية الأولى، حيث قام بمراقبة الأجانب والمسؤولين القنصليين في لينينجراد. في سبتمبر 1984، أُرسل بوتين إلى موسكو لمزيد من التدريب في معهد يوري أندروبوف ريد بانر. من عام 1985 إلى عام 1990، عمل في درسدن، ألمانيا الشرقية، مستخدمًا هوية مترجم.
العمل السياسي
عام 1990 عاد بوتين إلى بلاده وشغل منصب مساعد رئيس جامعة سان بطرسبورج للشؤون الخارجية، ثم ترأس بعدها لجنة الاتصالات الخارجية بالبلدية، وفي مارس 1994 عين بوتين نائبا أول لرئيس حكومة سان بطرسبورج، ليقوم بعد ذلك بتنظيم فرع سان بطرسبورج لحزب "وطننا روسيا"، وهو حزب السلطة الليبرالي الذي أسسه رئيس الوزراء فيكتور تشيرنوميردين حيث أدار الحملة الانتخابية التشريعية للحزب.
الطريق للكرملين
من عام 1995 حتى يونيو 1997، كان بوتين زعيمًا لفرع الحزب في سان بطرسبورج، وأصبح بعدها بعام نائبًا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية، ثم سرعان ما عين نائبًا لمدير ديوان الرئيس يلتسن.
في 25 يوليو 1998 عين يلتسن، بوتين مديرًا لجهاز الأمن الفدرالي، وهي المنظمة الأمنية والاستخباراتية الأساسية للاتحاد الروسي، وفي 1999 عين بوتين أمينًا لمجلس الأمن القومي في الاتحاد الروسي. وفي نفس العام تم تعيين بوتين كواحد من 3 نواب لرئيس الوزراء، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تم تعيينه رئيس وزراء بالإنابة من قبل الرئيس يلتسن، وفي نفس اليوم، وافق بوتين على الترشح للرئاسة.
وفي أغسطس 1999، وافق مجلس الدوما على تعيينه كرئيس للوزراء بأغلبية 233 صوتًا مقابل رفض 84 وامتناع 17 عن التصويت، بينما كانت هناك حاجة إلى أغلبية بسيطة من 226، مما جعله خامس رئيس وزراء لروسيا في أقل من 18 شهرًا. وعلى الرغم من عدم ارتباطه رسميًا بأي حزب، فقد تعهد بوتين بدعمه لحزب الوحدة الذي تم تشكيله حديثًا، والذي فاز بثاني أكبر نسبة من الأصوات الشعبية (23.3%) في انتخابات مجلس الدوما في ديسمبر 1999، وبدوره أيد بوتين.
الرئيس
في 31 ديسمبر 1999، تولى مهام رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة بعد تنحي الرئيس بوريس يلتسنن ليفوز بعدها بانتخابات الرئاسة في الجولة الأولى بنسبة 53% من الأصوات. وشهدت فترة ولايته الأولى التي استمرت 4 سنوات إجراء تعديلات في النظام السياسي أحكم بفضلها سيطرته على القرار السياسي والاقتصادي في روسيا.
وفي 2001:، أمر بوتين بانسحاب الجيش الروسي جزئيًا من الشيشان التي دخلها الجيش عام 1991 بأمر من الرئيس بوريس يلتسن مقابل منح صلاحيات واسعة لأجهزة الاستخبارات السرية التي كلفت بتصفية المعارضين، بعد أن شكلت موسكو إدارة تابعة لها لتحكم الشيشان بقيادة ستانيسلاف إلياسوف.
وفي عام 2004 أعيد انتخابه لولاية رئاسية جديدة، وفي 2008 انتخب ديمتري ميدفيديف رئيسًا لروسيا لفترة واحدة، وعين بوتين رئيسا للوزراء وأجريت في عهده تعديلات دستورية تقرر بموجبها تمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات.
عام 2009 عرفت الحرب في الشيشان نهاية رسمية لها بتصفية كل المعارضين وتنصيب موسكو حاكما لها ذا صلاحيات واسعة على الشيشان وأنغوشيا وأوسيتيا الشمالية وداغستان. وفي 4 مايو 2012 فاز بوتين في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 63.6% من أصوات الناخبين، وسط احتجاج من المعارضة الروسية وبعض المنظمات الدولية التي رأت أن الانتخابات شابتها خروق.
في مارس 2017 أغلقت حكومة موسكو الحدود مع إقليم أبخازيا في جورجيا المجاورة، واحتلت القوات الروسية بعض الجيوب هناك بالإضافة إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية، واعترفت بهما جمهوريتين مستقلتين. ووقع بوتين أيضا على مرسوم يسمح بتجنيد مواطني أوسيتيا الجنوبية في القوات المسلحة الروسية.
في 18 مارس 2018 فاز بوتين بولاية رابعة مدتها 6 سنوات إثر تعديل الدستور، حيث حصل على أكثر من 70% من الأصوات، وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي حصل عليها في انتخابات 2012، وفي عام 2020 أُجري استفتاء مثير للجدل على إصلاحات دستورية منحت الرئيس بوتين فرصة البقاء في منصبه بعد انتهاء فترة رئاسته الرابعة في عام 2024، ما يعني أنه قد يمكث في الكريملين حتى عام 2036.
الحرب الروسية الأوكرانية
في 2014، قامت روسيا بعدة عمليات توغل عسكرية في الأراضي الأوكرانية. بعد احتجاجات الميدان الأوروبي وسقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، سيطر جنود روس بدون شارات على المواقع الاستراتيجية والبنية التحتية داخل إقليم القرم الأوكراني. ثم ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول بعد استفتاء صوّت فيه، وفقًا للنتائج الرسمية، للانضمام إلى الاتحاد الروسي.
في وقت لاحق، تصاعدت المظاهرات ضد الإجراءات التشريعية الأوكرانية رادا من قبل الجماعات الموالية لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا إلى نزاع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والقوات الانفصالية المدعومة من روسيا لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبية المعلنة من جانب روسيا.
في سبتمبر 2021، أجرت أوكرانيا مناورات عسكرية مع قوات الناتو. وحذر الكرملين من أن توسيع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في أوكرانيا سوف يتجاوز "الخطوط الحمراء" بالنسبة لبوتين، وفي فبراير 2022، شن بوتين حربًا للسيطرة على ما تبقى من البلاد والإطاحة بالحكومة الأوكرانية بحجة أنها كانت تدار من قبل النازيين. وفي نفس الشهر أيد مجلس الدوما، قرارًا يدعو إلى الاعتراف الدبلوماسي بجمهوريتين انفصاليتين معلنتين ذاتيًا في دونباس.
في الوقت نفسه، وقع بوتين مرسومًا يعترف بالجمهوريات الانفصالية كدول مستقلة. وفي 24 فبراير، أعلن بوتين في خطاب متلفز عن إجراء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، حيث شن عملية عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا. وقال إن الغرض من العملية هو حماية الناس في منطقة دونباس التي تقطنها أغلبية من الناطقين بالروسية.