الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الغرب الذي أوجعته العباءة العربية

أحمد سالم
أحمد سالم

يقيني دائمًا أن أشرس الحروب وطيسًا، حروب الثقافات، وأوعر المعارك شدة هي تلك التي تتصل بالحضارات، وأن صراع الهوية عُرف مع بداية الخليقة ولن ينتهي إلا بانتهائها.

هي نوع من الحروب التي يسكُن صخبها، وتتمادى في قسوتها، لا تُدمي ضحاياها لكنها تنخر في العقول وتستنزف الوعي وتسلب ما روته الجذور وأنبتته الأصول لتترك من هُزم فيها منتشيًا بنصرٍ زائف، وبنيان أجوف.

الفرنجة، هي النتيجة الحتمية التي جنتها أوروبا والغرب من تلك الحروب على مدار سنوات طويلة، حتى أصبح غير المتشبه بالغرب في لغته ولبسه وعاداته منبوذًا في مجتمعات عربية وفرعونية وأمازيغية عرفت الحقيقة والعدل والعلم والتوحيد، قبل أن تعرف أوروبا وأمريكا نفسها من الأساس.

الغرب الذي يتجلى للعالم في ثوب الحضارة الزائفة، والديمقراطية الهزازة، ضجّ صياحًا وتلولو ألمًا من عباءة البشت العربية التي ارتسمت على أكتاف ميسي وهو يرفع كأس العالم في مشهد هو الأهم والأبرز والأكثر عُمرًا في حاضر ومستقبل كرة القدم.

أحدهم وصف الأمر بالاستغلال، لكنه لم يجد في خوض فرنسا مباراة النهائي بـ 10 أفارقة أي استغلالًا أو انتهازية لحقوق شعوب فقيرة، وصحيفة الجارديان قالت "لقد حطموا أعظم لقطة في التاريخ"، وفي الواقع لم يتحطم سوى كبرياء وعجرفة وغرور وعنجهية أوروبا.

النواح الأوروبي عبر الصحف والقنوات ملأ العالم، لكنه في النهاية إلى زوال، بينما اللقطة التي أشاعت الزي العربي في كل العالم لن تزول.

في كأس العالم عام 1970 تُوج الأسطورة بيليه مع منتخب البرازيل باللقب، ورًفع على الرؤوس في احتفالات على أرضية الملعب مرتديًا الصَمْبرِيرة ( القبعة ) المكسيكية الشهيرة، في لقطة لم ينتقدها الغرب ولم يصفها حينها بالاستغلال، حتى عندما تكرر الأمر مجددًا في عام 1986 عندما ارتدى مارادونا نفس القبعة، لكن اختلال الميزان الغربي هو السمة الأكثر سوادًا عن هذه البلاد التي لا تؤمن إلا بوجودها فقط.

أعجبني ما قرأت عن يوسف شاهين في أحد المرّات عندما، قال له مذيع أيرلندي محاولًا إحراجه: "أنت من العالم الثالث"، ليرد المخرج المصري ببراعة: "لست من العالم الثالث.. بل أنت، لقد كنا هنا منذ 7 آلاف سنة، وأثبتنا أن عمر حضارتنا 7 آلاف سنة، الحضارة هى كيفية التواصل مع الآخرين .. الحضارة هى أن تعرف كيف تحب، كيف تهتم، هذه هى الحضارة، إذ ذهبت إلى فقير هنا وهو لا يملك أى شىء ليعطيه لك، سوف يستعير من جاره قطعة خبز ويعطيها لك، فى أوروبا ربما يغمى عليك كجثة فى الشارع، والناس سوف تستمر فى المرور جانبك ولا يعطون أى اهتمام، إذن علينا أن نفهم ما معنى حضارة، ثم بعد ذلك يمكننا تصنيف العالم".

وفي الحقيقة فإن العرب كما احتضنوا العالم أجمع في 40 يوم فقط ما بين مؤتمر المناخ في شرم الشيخ وكأس العالم في قطر، وألبسوا الغرب عقالًا وغترة، فقد ألبسوهم أيضًا عيبًا ثقيلًا وعارًا كبيرًا وهزيمة منكرة، جرت على أرض الواقع وفضحت اختلال موازينهم وسوء نياتهم، وحريتهم غير المسؤولة التي أقنعتهم أن ما دونهم عبيد.