أجريت انتخابات التجديد النصفي في الثامن من نوفمبر 2022 المنصرم، وحقق خلالها الحزب الديمقراطي الفوز بالأغلبية في مجلس الشيوخ، بينما حقق الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب، وذلك لتبدأ فترة تعرف باسم "البطة العرجاء"، أي افتقاد إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن الدعم البرلماني الكافي لإدارة البلاد.
مما ينذر بعدة تداعيات مترتبة على فوز الجمهوريين بأغلبية في مجلس النواب، منها عرقلة الأجندة التشريعية لبايدن، حيث أعلن الجمهوريون أنهم في حال فوزهم بالأغلبية في مجلس النواب، سيقومون بإجراء تحقيقات مع إدارة بايدن، وربما قد تصل إلى إطلاق إجراءات لعزله. ويسعى الجمهوريون من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين. أولهما، يتمثل في الانتقام من الديمقراطيين، والذين قاموا بإثارة قضيتين لترامب في محاولة لحرمانه من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، أو الانتقاص من شعبيته، على أقل تقدير. إحداهما تتعلق باتهامه بالتورط في التحريض على الهجوم على مبنى الكبيتول هيل في يناير 2022، والأخرى تتعلق باحتفاظه بوثائق خطيرة تمس الأمن القومي الأمريكي في مقر إقامته "مار-أيه-لاجو" بعد انتهاء فترة ولايته.
كما أعلن المدعي العام الأمريكي، ميريك جارلاند، في 18 نوفمبر، تعيين محقق خاص لمتابعة قضية احتفاظ الرئيس السابق دونالد ترامب بوثائق سرية، أي بعد إعلان ترامب نيته الترشح بيومين، وهي الخطوة التي اعتبرها ترامب "مسيسة"، خاصة أن المحقق سوف يحقق في القضيتين التي أثارها الديمقراطيون ضد ترامب، سواء تعلق ذلك باقتحام مبنى الكبيتول هيل، أو الاحتفاظ بوثائق مصنفة كـ "سرية للغاية".
ويتمثل ثاني الأهداف التي يسعى الجمهوريون لتحقيقها من وراء التحقيق مع إدارة بايدن، في كشف الفساد المحتمل لإدارة بايدن، إذ أكد الجمهوريين أنهم سوف يركزون على قضايا المعاملات التجارية لهانتر ابن بايدن، ومدى استغلاله لنفوذ والده في إتمام صفقات تجارية. كما قد يشكك الجمهوريون في أهلية الرئيس بايدن على الحكم في ضوء ذلات لسانه وتشتت تفكيره.
ويسعى الجمهوريون من وراء ذلك إلى تكرار "سيناريو هيلاري كلينتون في عام 2016"، حينما شكل الجمهوريون لجنة بنغازي في الكونجرس، وذلك للتحقيق معها على مدار عامين حول الهجومين اللذين استهدفا المجمع الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي في شرق ليبيا، يوم 11 سبتمبر 2012، والذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي، كريس ستيفنز، وموظف دبلوماسي وأمريكيين يعملان في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وذلك أثناء تولي كلينتون منصب وزيرة الخارجية. ووجه لها الجمهوريون انتقادات حادة أثناء استجوابها، وهو الأمر الذي انتقص من شعبيتها، على نحو ما اعترف به مكارثي ذاته في حديثه لقناة فوكس نيوز الأمريكية في 2015، حينما أكدت أن لجنة بنغازي انتقصت من شعبية كلينتون، وربما مثّل ذلك أحد العوامل التي أدت إلى هزيمتها في الانتخابات الرئاسية أمام ترامب في 2016.
المقابل، يستعد الديمقراطيون لاستجواب الجمهوريين جيداً، وذلك عبر إطلاق "مشروع نزاهة الكونجرس"، والذي سوف يكون بمنزلة "غرفة حرب" يسعى من خلالها الديمقراطيون إلى التحقيق في دوافع تحقيقات الجمهوريين ضد إدارة بايدن للتأكيد على أنها ذات دوافع سياسية، وأنها تصرف الانتباه عن القضايا الأكثر أهمية للناخب الأمريكي، لصالح تصفية الحسابات مع الديمقراطيين، بالإضافة إلى محاولة تصويرها على أنها تبديد للموارد المالية للكونجرس، وذلك في مسعى من الديمقراطيين للتأثير سلباً على شعبية الجمهوريين بحلول انتخابات 2024، ومن ثم تكرار سيناريو انتخابات التجديد النصفي لعام 1998، حينما ترجم إخفاق الجمهوريين في عزل الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، إلى انتصار كبير للديمقراطيين في هذه الانتخابات، وهو أمر يأمل الديمقراطيون في تكراره في انتخابات 2024 القادمة.
ومن ضمن التداعيات أيضا تضرر محتمل للاقتصاد الأمريكي، حيث تشير المؤشرات الأولية إلى إخفاق الرئيس بايدن في رفع سقف الدين العام المقدر بحوالي 31.4 تريليون دولار قبل بداية العام الجديد، أي قبل أن يتولى المجلس النواب الجديد التوجهات الجمهورية ذاتها. ويرجع السبب في ذلك إلى رفض عضو الشيوخ الديمقراطي جو مانشين ذلك، كما قد يكون هناك رافضان آخران داخل الحزب الديمقراطي لهذا الأمر. وأكد زعيم الأغلبية الديمقراطي في الشيوخ، تشاك شومر، أنه يسعى إلى الحصول على إجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على رفع سقف الدين العام.