قديما كانت الخضاضة آلة يدوية متوارثة منذ عهد قديم قد يصل لعهد الفراعنة، وكانت تسمى “القربة” وتصنع من جلد الماعز، وتوضع فى الجير لمدة 3 أيام حتى يتساقط الشعر ثم يتم غسلها بالماء والملح لتصبح “قربة” تستخدمها السيدات فى المنازل لعمل السمن وفصل الألبان، وحتى الآن يتم استخدام المثل الفلاحي "اللي يشيل قربة مخرومة بتخر على دماغه".
وفي العصر الحديث، استبدلت “القربة” بالخضاضة الكهربائية، ولا تملك تلك الخضاضة الا الفلاحة أو ربة المنزل المقتدرة والميسورة الحال.
وكانت الفلاحات يذهبن باللبن إلى منزل السيدة صاحبة الخضاضة لفصل اللبن عن الزبدة والقشدة وما إلى ذلك من منتجات مقابل أجر بسيط أو احتجاز جزء من تلك المنتجات للمتاجرة بها والاسترزاق منها، وتقوم الخضاضة بفصل اللبن عن السمن، وقد ساهمت فى تخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسر.
وعلى الرغم مما وصل إليه العلم الحديث من تقدم تكنولوجي غير مسبوق، إلا أن مهنة الخضاضة لا تزال قائمة في القرى والنجوع ببني سويف.
فالتراث الفلاحي لا يندثر في كل قرية، والسمن الفلاحى لا يخلو منه أي منزل فى القرية، وتطورت بشكل كبير فى السنوات الماضية، مع تطور آلة التصنيع، والتى بدأت من القربة الفلاحى حتى "الخضاضة" الصناعى التى تستخدم فى فصل اللبن عن السمن، وتحويله إلى منتج سواء للتخزين أو للبيع، خاصة أن اللبن يدخل فى صناعات كثيرة خلاف السمن، منها الجبن الحليب والقريش وصناعة الكشك واللبن الرايب.
وتقول الحاجة ثريا أم أحمد، ربة منزل بقرية صفط النور مركز الفشن جنوب محافظة بني سويف: “أعمل فى صناعة الزبدة الفلاحى من أكثر من 20 عاما، وكانت صناعة الزبدة تقوم بها ربة المنزل فى منزلها من خلال القربة الفلاحي، وبعد التطور دخلت الخضاضة الحديثة إلى المنازل وهى تقوم بفصل اللبن عن الزبدة وتصنع الزبدة”.
وأضافت: “بعد ذلك ظهرت الخضاضة الجديدة، وهى عبارة عن غسالة أطفال تقوم بوضع اللبن بداخلها وتعمل بالكهرباء لمدة حوالى ربع ساعة بعدها نقوم بعزل الزبدة منها عن اللبن”، مشيرة إلى أن استخدام الغسالة ما زال حاليا نادرا في قريتنا.
وتابعت: “بعدها يتم إضافة مكونات تسمى المنفحة إلى اللبن حتى يتم تصنيعه جبن حليب، وهذا الجبن يختلف عن الجبن القريش لأن الجبن القريش لا بد أن يكون بخيره وغير معزول عن القشطة الموجودة باللبن”.
وأكدت"الحاجة ثريا" أن كيلو اللبن يتراوح من 14 إلى 15 جنيها، ولا يمكن تصنيع الزبد إلا من اللبن الطازج، ويكون ذلك فى الصباح الباكر، حيث نبدأ العمل منذ الساعة السادسة صباحا وهذا هو موعد حلب اللبن من الناشئة، ويستمر ذلك حتى الساعة العاشرة.
وأوضحت أنه بعد فصل السمن من اللبن يتم تجميع الألبان فى مكان استعدادا لموسم حصاد القمح لعمل اللبن الحامض لاستخدامه فى صناعة الكشك الفلاحى، بينما السمنة يتم تخزينها فى المنازل أو بيعها فى الأسواق.
فيما قالت الحاجة أم هاشم صبحي، إحدي السيدات التى تشارك فى صناعة السمن الفلاحى، إن استخدامات الألبان فى القرى تطورت كثيرا، خاصة مع ظهور الخضاضات الكهربائية، منها غسالة الأطفال ومنها اليدوى، بعد أن كنا نستخدم القربة الفلاحى المصنعة من جلد الماعز ، ولكن الآن ظهرت أنواع جديدة مثل الخضاضة التى تشبه غسالة الأطفال، والخضاضة اليدوى وغيرها من الأنواع التى ساهمت فى تخفيف الأعباء عن ربات المنازل.
وأضافت أن الخضاضة الغسالة أصبحت أسهل طريقة لفصل اللبن عن السمن داخل المنزل، وهذا ساهم فى توفير الوقت، وكذلك تحقيق أكبر قدر من النظافة لصناعة السمن، والذى تحرص عليه ربة المنزل بشكل دائم.
أما الحاجة "عائشة الغز"، إحدى السيدات المتخصصات فى صناعة السمن، فقالت إنه بعد فصل السمن عن اللبن نبدأ فى استخدامات أخرى للألبان، مثل عملية التخزين حتى يصبح لبنا حامضا يتم تصنيع الكشك الفلاحى منه، والذى يشهد إقبالاً كبيراً عليه، لأننا متخصصون فى الصنعة.
وأضافت: “ليس هذا فحسب، بل أيضا يتم صناعة اللبن الحليب وجبن القريش، ثم يتم تخزين السمن فى المنزل أو بيعها للتجار حسب رغبة أصحاب اللبن”.
وتابعت: “الخضاضة الغسالة تعتبر أسهل طريقة لاستخلاص السمن من الألبان، وهي تعتبر أكثر أمنا ونظافة، فلا نأكل شيئا يتم تصنيعه بيد ربة المنزل لا يتدخل فيها أحد، وهذا يحقق أكبر مكسب لربة المنزل، خاصة فى القرية”.