الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدولار المظلوم.. هل الأخضر بريء من تهمة تصدير التضخم والركود إلى العالم؟

الدولار الأمريكي
الدولار الأمريكي

سادت الأوساط المالية الدولية حالة من الخوف بشأن السياسات النقدية الأمريكية خلال الشهور الأخيرة، وأدت قرارات رفع أسعار الفائدة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أكثر من مرة خلال العام الحالي إلى ارتفاع سعر الدولار أمام عملات العالم الرئيسية والوطنية، ومن ثم ارتفاع تكلفة الاستيراد في دول تعاني أصلا من أزمات اقتصادية وزيادة حادة في أسعار الغذاء والطاقة.

رفع أسعار الفائدة.. سياسات متشددة للبنوك المركزية لمواجهة التضخم

ولكبح جماح التضخم تلجأ البنوك المركزية في هذه الدول إلى تنفيذ سياسات نقدية انكماشية متشددة، وهو ما يدخل العالم في حالة ركود اقتصادي واسعة النطاق، كما يتسبب رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في زيادة الضغط على الاقتصادات النامية التي تضطر لشراء الدولار بعملتها المحلية هزيلة القيمة كي تتمكن من تسديد ديونها.

وذكر تقرير لصحيفة "ذا هيل" الأمريكية أنه على الرغم من هذا الوضع الصعب، فإن الأسوأ لم يأت بعد، حيث فارتفاع أسعار السلع والخدمات الناتج عن رفع أسعار الفائدة البنكية لا يؤثر في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، الذي أصبح العالم بأسره في قبضته وتحت تصرفه، بشكل ينذر باندلاع فوضى اقتصادية عالمية ستلقي بظلالها على الولايات المتحدة ذاتها.

ويعد ارتفاع سعر الدولار أحد أهم الوسائل التي تهدف من خلالها السياسات النقدية الأمريكية الصارمة إلى تخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية الداخلية، حتى وإن أدى ذلك إلى تصدير مشكلة التضخم فيها لدول أخرى.

ولطالما تسببت قرارات الاحتياطي الفيدرالي في تضرر الأسواق المالية الناشئة في صورة انخفاض حاد لقيمة العملات المحلية للدول النامية، وارتفاع فواتير ديونها وهروب رؤوس الأموال منها أو عدم تدفقها من الأصل، وتظهر هذه التأثيرات جلية في الأوقات التي يحاول فيها الاحتياطي الفيدرالي السيطرة على التضخم على غرار ما حدث في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بدلا من تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي على غرار ما حدث في بداية الألفية الجديدة.

الاحتياطي الفيدرالي ليس المتهم الوحيد

ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن هناك نوعا من المبالغة في تقدير الدور الذي يلعبه الاحتياطي الفيدرالي في تعميق الأزمة الاقتصادية العالمية، وعلى عكس الانطباع الذي يصدره بعض المتخصصين، فهو لم يتخذ إجراءات بالغة القسوة في مواجهة التضخم المتصاعد حاليا، وفي المقابل نفذت البنوك المركزية في عدة دول (منها البرازيل وتشيلي وكولومبيا والتشيك والمكسيك وبيرو وبولندا والمملكة المتحدة) سياسات نقدية متشددة قبل تحرك الاحتياطي الفيدرالي، رافعة أسعار الفائدة البنكية بمعدلات تفوق ما قرره لاحقا بشكل يتناسب مع تداعيات التضخم.

ويسوق دعاة الفصل بين ارتفاع الدولار وتضرر الأسواق المالية الناشئة الدليل على عدم وجود علاقة طردية بين الأمرين كما هو الاعتقاد السائد، حيث تتركز معظم النقاشات على سعر الدولار في مقابل عملات الاقتصادات المتقدمة، لكن على الرغم من فقده جزءًا من مكاسبه خلال الأسبوع الماضي، يظل الدولار مرتفعا بنسبة 15% عما سجله في بداية عام 2021، وفقا للتقارير الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي، بينما سجل ارتفاعا قدره 8% فقط في مقابل عملات الدول النامية خلال نفس الفترة، وبالتالي لم ترتفع أعباء الديون فيها بدرجة كبيرة.

ومن اللافت للنظر أن معظم الأسواق المالية الناشئة استطاعت الصمود في مواجهة الأزمات الاقتصادية هذا العام، كما توسعت في الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية، وهو مؤشر جيد يوضح تحسن الثقة الائتمانية في هذه الأسواق بشكل ملحوظ وإن ظلت في الإطار التاريخي المعتاد لها، ورغم أن بعض الاقتصادات الهشة مثل سريلانكا وباكستان والأرجنتين ترزح تحت أعباء ديون ضخمة، إلا أن هذا يعكس خللا في سياساتها الداخلية ومن غير المرجح أن يتسبب هذا الخلل في انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود.

أزمة الدولار ليست سيئة كما تبدو

ويبدو أن ارتفاع سعر الدولار لا ينعكس على التضخم خارج الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، حيث انخفض متوسط سعر صرف جميع العملات أمام بعضها البعض (وهو ما يعرف بسعر الصرف متعدد الأطراف)، بنسبة تفوق انخفاض قيمة كل عملة منها مقابل الدولار منفردا، وقد سجلت 31 عملة قوية انخفاضا أمام الدولار منذ بداية عام 2021 باستثناء الروبل الروسي.

ولم تشهد معظم اقتصادات العالم زيادات هائلة في تكاليف الاستيراد وبالتالي أسعار السلع الأساسية بسبب انخفاض قيمة عملتها أمام الدولار منفردا، بما فيها السلع المستوردة من الولايات المتحدة ذاتها، ورغم أن الدولار هو عملة التبادل التجاري العالمي، إلا أن أسعار بعض السلع مثل النفط على سبيل المثال تنخفض بالتزامن مع ارتفاع الدولار، وهو ما أتاح الفرصة أمام البنوك المركزية لتخفيف إجراءاتها النقدية المتشددة.

وبشكل عام لا يمكن إنكار تأثير ارتفاع الدولار على الاقتصاد العالمي، لكن على الجانب الآخر لا داعي للمبالغة في تداعيات هذا التأثير، بشكل يصرف الانتباه عن الأسباب الجوهرية الأخرى لأزمة الركود الاقتصادي العالمي، مثل نقص إمدادات الطاقة وبالتالي ارتفاع أسعارها خاصة في أوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتشديد البنوك المركزية حول العالم لسياساتها النقدية في سعيها للسيطرة على التضخم، والقيود الاقتصادية الخانقة التي تفرضها الصين لمكافحة تفشي فيروس كورونا، وأخيرا آثار الجائحة واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي، والتي أغرقت معظم دول العالم في الديون.