بعد عامين من ركود النشاط السياحي بسبب إجراءات مكافحة تفشي فيروس كورونا، والتي كان من أبرزها قيود الإغلاق العام ومطالبة العملاء باسترجاع تكلفة حجوزات الفنادق والطيران التي قطعوها بالفعل، تعود السياحة في منطقة الشرق الأوسط للانتعاش النسبي، ويتوقع خبراء المجلس العالمي للسياحة والسفر أن يساهم قطاع السياحة في المنطقة في نمو الناتج المحلي الإجمالي لها هذا العام بنسبة تتجاوز 36% أي ما يفوق 256 مليار دولار.
ورغم أن هذه الأنباء تعد إيجابية للغاية بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي تعتمد على قطاع السياحة كأحد أهم مصادر الدخل القومي لها، إلا أن مخاطر تغير المناخ تمثل تهديدا جديا لهذا الانتعاش، حيث تقع الدول المعتمدة اقتصاديا على السياحة كمصدر للدخل في أكثر مناطق العالم تأثرا بتلك المخاطر.
السياحة في مصر تقاوم آثار تغير المناخ
وذكرت صحيفة "آسيا تايمز" الصادرة في هونج كونج أن ارتفاع درجات الحرارة في مصر أدى إلى تضرر الآثار في مدينة الأقصر، حيث تسبب في تغير لون عدد من الأحجار الأثرية، وتعد السياحة بمثابة العمود الفقري للاقتصاد المصري، كما تعد مصر أكبر وجهة سياحية في القارة الأفريقية وفقا لتصنيف المجلس العالمي للسياحة والسفر.
ولحسن الحظ نجت الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والتي تتميز بجمالها الجاذب للسياح من تأثير تغير المناخ حتى الآن، لكنها تظل مهددة بالضرر الناتج عن سوء الظروف المناخية وخاصة استمرار ارتفاع درجات الحرارة الذي يشكل خطرا متزايدا على الإنسان والحيوان والنبات.
وفي قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 التي عقدت في مصر في وقت مبكر من هذا الشهر، ناقش قادة المنطقة ضرورة مساهمة القطاع الصناعي في خفض البصمة الكربونية، لتحقيق المستهدف العالمي من خفض الانبعاثات، وقد قالت خالدة بوزار المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، إن قطاع السياحة يحتاج إلى إعادة ضبط.
ومن الجدير بالذكر أن تغير المناخ لم يوقف حركة السياحة القادمة إلى المنطقة حتى الآن، حيث حرص قادة العالم على زيارة معالم مصر السياحية عقب انتهاء جدول أعمال قمة المناخ في شرم الشيخ هذا الشهر، كما أنه من المتوقع أن تجذب فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في قطر أكثر من مليون زائر للدولة الصغيرة وسط الخليج العربي والغنية بالغاز الطبيعي، كما يرجح أن يتجاوز عدد السياح القادمين إلى المملكة العربية السعودية العام القادم عدد زوارها في مرحلة ما قبل الجائحة، ويتوقع خبراء المجلس العالمي للسياحة والسفر تحقيق قطاع السياحة السعودي نموا ملحوظا بمتوسط 11% سنويا حتى عام 2030، مما يجعله أسرع القطاعات السياحية نموا في منطقة الشرق الأوسط.
الأردن.. السياحة محاصرة بين الجفاف والسيول
أما الأردن، الذي تشكل السياحة فيه أحد أهم مصادر العملة الأجنبية، وثاني أكبر قطاع للتوظيف بالدولة، حيث كان يستوعب 7.3% من قوة العمل في فترة ما قبل جائحة كورونا، يتعرض في الآونة الأخيرة لموجة من الجفاف الشديد، ويعد من أكثر دول العالم التي تعاني أصلا من ندرة في الموارد المائية.
وتساهم أزمة تغير المناخ في انخفاض منسوب المياه في نهر الأردن ذي المكانة المقدسة لدى جموع الحجاج المسيحيين من جميع أنحاء العالم، وقد أثار تحول منبع النهر إلى بحيرة من المياة الضحلة استياءهم، وعلى الجانب الآخر تعرضت منطقة البتراء الأثرية التاريخية إلى سيول غزيرة في نوفمبر عام 2018، مما أجبر السلطات على إجلاء ما يقرب من 4000 سائح من أكبر موقع للجذب السياحي في الأردن والمصنف ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي.
ورغم عدم ورود تقارير عن وقوع وفيات في سيول البتراء، إلا أن 13 شخصا منهم فتاتان وغواص محترف لقوا حتفهم في مناطق أخرى من البلاد، وقبل ذلك بأسبوعين تسببت فيضانات اجتاحت المنطقة المحيطة بالبحر الأسود في وفاة 21 شخصا معظمهم أطفال.
وقد تبنى الأردن ما يعرف بـ "الخطة الوطنية للنمو الأخضر" في مجال السياحة، والتي تستهدف زيادة الاستثمار في المشروعات صديقة البيئة، وتتماشى هذه الخطة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للحد من آثار تغير المناخ.
وحقق الأردن تقدما ملحوظا في مجال العمل المناخي في قطاعات أخرى، ووضع استراتيجية طويلة المدى لتحقيق التكامل بين النمو الاقتصادي وخطة خفض الانبعاثات الكربونية على مدار عشر سنوات، وأصبح أول دولة نامية تمتلك أدوات رقمية لتتبع الانبعاثات في مجالات الزراعة والطاقة والمواصلات، وحسبما تشير التقارير الصادرة عن البنك الدولي، يستهدف الأردن خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 31% بحلول عام 2030.
تغير المناخ يهدد البنية التحتية للسياحة
ويتوقع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث زيادة تفشي الكوارث الناتجة عن تغير المناخ عالميا خلال العقد القادم بنسبة 40%، وقدرت المديرة الجديدة للمكتب باولا ألبريتو متوسط معدل وقوع الكوارث المناخية المتوقع بـ 560 كارثة في العام بحلول عام 2030، كما تتوقع أن تكون الكوارث أشد وطأة وأكثر كلفة عما هي عليه الآن.
ولن تقتصر مخاطر هذه الكوارث على الفوضى التي ستحدثها في حياة البشر، بل إنها ستدمر البنية التحتية السياحية أينما تقع، لذا تبذل دول المنطقة قصارى جهدها للتخفيف من أثار تغير المناخ المتوقعة، وتضع خططا لمواجهة الأزمة على أكثر من محور، مثل التوسع في تنفيذ مشروعات الاقتصاد الأخضر وتفعيل استراتيجيات الاستدامة البيئية والاجتماعية في قطاع السياحة.
وعلى الجانب الآخر، تظل إجراءات الحد من آثار تغير المناخ والتكيف معها فكرة مؤجلة في منطقة الشرق الأوسط، وتجربة الأردن خير مثال، حيث يتوقف نجاحها على دعم الجهات المانحة وهي قليلة، كما لم تصنف استراتيجية السياحة الوطنية الأردنية تغير المناخ كتحد رئيسي.
لكن قبل أن تتنفس حكومات الشرق الأوسط الصعداء بانقضاء جائحة كورونا آملة عودة النشاط السياحي إلى سابق عهده قبلها، يتعين عليها أخذ قضية تغير المناخ وسبل مكافحته بعين الاعتبار في سعيها لتحسين اقتصاداتها، فقد شهد الشرق الأوسط بالفعل كيف يمكن لأزمة مثل الجائحة أن تلحق بالغ الضرر بقطاع السياحة، لذا لا مجال للمخاطرة بالاستقرار الاقتصادي لدوله مرة أخرى.